تراجيديا من قتلت زوجها ثم حضنته

تراجيديا من قتلت زوجها ثم حضنته

كتبت المُتمكنة أماني ضرغام في المصري اليوم: «استفزتني مثل كل المصريين تصريحات قاتلة زوجها التي ضربته ثم جلست بجواره وأخذته بالحضن حتى مات! وهي تصريحات تحتاج إلى طبيب نفسي ومتخصص علم اجتماع يفسر هذا السلوك الحاد المتضارب».

من منظور سيكوديناميكي يعكس الأمر ظاهرة نفسية معقدة، حيث تتداخل مشاعر الحب والعدوان، مما يؤدي إلى سلوك متناقض وعنيف؛ فالتناقض الوجدانيAmbivalence تفسيرٌ أساسي هنا، حيث يمكن للفرد أن يحمل مشاعر حب وكراهية في آنٍ واحد، ويبدو أن هذه الزوجة كانت تعاني من مشاعر غضب وقهر متراكمة وحرمان العاطفي، وربما وفي الوقت نفسه كانت لا تزال مرتبطة بزوجها المغدور وجدانيًا؛ فلربما يكون القتل في هذه الحالة تعبيرًا عن رغبة لا واعية في التملُّك المطلق، حيث يصبح الزوج جزءًا منها عبر إلغائه ككيان مستقل، و أيضًا خاضت تجربة الموت بكل أبعادها، وكما يبدو أن العنف في تلك الحالة كان الوسيلة الوحيدة المتاحة للزوجة للتعبير عن مشاعرها المكبوتة تجاه الزوج؛ فبعد أن مارست العنف، عادت إلى دور الزوجة الحنونة، وكأنها تلعب دورين متضادين في مسرحيةٍ من فصلٍ واحد.

إن التجربة الانفعالية للطفل في سنواته الأولى، تؤثر بشدة على طريقة تعامله مع الآخرين في المستقبل؛ فإذا كانت الزوجة قد تعرضت في طفولتها للإيذاء الانفعالي أو الجسدي، فقد يكون سلوكها انعكاسًا لـميكانزم دفاعي يدعى «التوحُد مع الجاني» Identification with the Aggressor، حيث تتحول الضحية السابقة إلى جلّاد، ثم تحاول إصلاح الجُرح الانفعالي عبر التعاطف مع ضحيتها بعد أذيتها.

إن ما حدث يمكن وصفه بأنه لحظة فقدان مؤقتة للسيطرة العقلانية Psychotic Break، حيث دخلت الزوجة في حالة من «انفصال الوعي» عن أفعالها، وهو ما يفسر كيف استطاعت الانتقال السريع من العنف إلى الحُضن، الذي قد يكون نتيجة ضغوط نفسية متراكمة لم يتم التعامل معها بوعي، مما أدى إلى انفجارها في لحظةٍ حادة.

أما من منظور اجتماعي؛ فقد يكون الحدث انعكاسًا لواقع العلاقات حيث بُكْم التعبير الانفعالي بحرية بين الأزواج؛ فإذا لم يكن الاحتضان والتعبير عن الحنان متاحًا في الأحوال العادية، فقد يتحول إلى لحظةٍ نادرة تتجسّد فقط في أقصى درجات التوتر والكارثة، بمعنى آخر، أن الزوجة لم تستطع أن تمنَح الحنان في الحياة الطبيعية، فوجدت الفرصة مُتاحة في التراجيديا الشكسبيرية.

إن هذه الحادثة ليست مجرد جريمة عادية، بل هي حالة نفسية واجتماعية غنيّة بالدلالات؛ فهي تعبر عن عمق الصراع الداخلي الذي قد يعاني منه البعض في علاقاتهم، وعن كيف يمكن للمكبوتات الانفعالية أن تتحول إلى أفعال غير متوقعة، وهذه الحالات تستحق التحليل النفسي العميق، وربما استخدامها كنموذج في دراسات علم النفس الجنائي والاجتماعي لفهم العلاقة بين الحب والعنف في إطار الاضطرابات النفسية والاجتماعية.

إن العلاقة الزوجية في المجتمع المصري تحمل أبعادًا نفسية واجتماعية متشابكة تتأثر بعوامل ثقافية، اقتصادية، وتاريخية. يمكن تحليل هذه العلاقة من منظور سيكودينامي لفهم التفاعلات العميقة التي تحكمها داخل المنزل، بعيدًا عن الصورة النمطية المقدمة في الإعلام والمسلسلات؛ فالزواج في مصر يقوم على الارتباط القوي بين الزوجين لكنه قد يعاني من ضغوط نفسية مكبوتة تنشأ نتيجة تراكمات اجتماعية وتاريخية، وفي كثير من الأُسَر لا يكون الزواج لا يكون عادةً بين فردين فقط كما يجب أن يكون، بل بين عائلتين، مما يخلق مستوى عالٍ من التدخل في القرارات والممارسات اليومية؛ فالزوجة تشعر أحيانًا أنها تتزوج الرجل وعائلته، مما قد يُحِدّ من استقلالية كل علاقاتها به.. الاقتصادية والجنسية والمادية وقضاء وقت الراحة وتربية الأولاد والأصدقاء المشتركين وقضاء وقت الإجازات كالمصيف وغيره.. حينئذٍ يشعر الزوج بضغط التوفيق بين زوجته وأسرته.

إن النساء في المجتمع المصري يتم تربيتهن غالبًا على أن الزواج هو محطة النجاح الأساسية في حياتهن، مما يخلق توقعات غير واقعية حول الرومانسية والدعم النفسي والمُشاركة، أما الرجال فيتم تحميلهم مسؤولية الإنفاق والحماية، أكثر من كونهم شركاء عاطفيين داعمين، مما يجعل بعضهم أقل تفاعلًا مع الاحتياجات النفسية للزوجة، وهذه الفجوة في التوقعات قد تؤدي إلى إحباط متبادل دون تعبير واضح عنه، مما يخلق مشاعر مكبوتة قد تنفجر لاحقًا في شكل خلافات حادة أو عنف نفسي أو جسدي.

Leave a Reply

Your email address will not be published.