“قالت مُحدِّثتى: لابد أن يكون هناك أمل، مقالاتك علمية قاتمة.. هذا حقيقى لأن الحديث عن أمور الصحة والمرض، الحياة والموت، لابد أن يكون كاشفًا لأمور مفزعة حول العالم: الكوارث، الحروب، المجاعات، سباق التسلُّح، العنصرية، ومع ذلك لابد للإنسان وهو يبتسم أن يأكل طعامًا صحيًا، وأن يدرك ما يمكن أن يحدث، وكثيرون من الناس الآن يتساءلون: ماذا عن أولادى وأحفادى من بعدى؟ ماذا سيفعلون؟
إن البهجة تأتى من تغيير الجو، من ضخ الإندورفين، هرمون السعادة، فى الجسم عن طريق أكل الشكولاتة الداكنة، والمشى، وسماع الموسيقى، والضحك، وممارسة الحب، وأمور أخرى.
لكن البشرية تمر الآن بكبرى الصدمات التى مرت بها خلال قرن من الزمان، لقد مللنا الحديث، بل تعبنا وهرمنا ونحن نتحدث عن كوفيد- 19 منذ أن ظهر، لكن «رأس المال البشرى»، أى القدرة الكلية للشعب، والتى تمثل شكلًا من أشكال الثروة التى يمكن توجيهها لتحقيق أهداف الدولة، تكون مُعقَّدة اجتماعيًا وبيولوجيًا وثقافيًا ونفسيًا، فى تفاعلاتها الكثيرة، وأهمها فى معاملات صحية واقتصادية.
إن الخسارة لم تكن فقط فى الاقتصاد الناجم عن توقف حركة التجارة، ولكن الثمن الفادح الذى دفعته البشرية كان فى أرواح، كان أكثر من خسارة المال، والضرر الذى لحق بالطاقم الطبى وعائلات الضحايا، وقتامة الصورة للعالم وهو سجين.
إن السؤال المؤلم: هل الصحة لمَن يدفع أكثر؟ هل الصفوة الثرية تشترى الرعاية، وفى مصر ترفع المستشفيات الخاصة فاتورتها إلى عنان السماء، فى أوروبا النظام العام الذى يحكم يجعل الناس سواسية كأسنان المشط، وأنا هنا أتحدث أيضًا عن عملاء المختبرات، الذين سوَّغوا لأنفسهم الذهاب إلى البيوت، مُحدِّدين السعر والفحص والنتيجة، فى خفاء وصمت رهيب.
فى إيطاليا حينما هجمت الجائحة بعنف، وكانت أجهزة التنفس الصناعى وغيرها شحيحة بالنسبة للأعداد، اختار الأطباء الشباب لكى ينقذوهم.
فى مصر- الآن- بدأنا نتنفس مع انخفاض أعداد المصابين والوفيات، ومع خفض إجراءات الحظر، مما جعل الحياة تدب فى الوجوه قبل المحال التجارية والكافيهات، على الرغم من أن هناك الكثيرين من الناس، منذ أن حلت كورونا بمصر، لم يبرحوا بيوتهم.
أرى أن أهم الأمور فى محاربة الوباء هو الثقة، الثقة التى يبثها المسؤولون فى أحاديثهم، نبرة الصوت وطريقة الطرح. الثقة التى يدلى بها الطبيب المعالج بمعلومات عن المريض لأهله، لا يُتوِّههم، وأمام تداعيات كورونا من مضاعفات، وربما غيبوبة، تكثر الاحتمالات، فيبدأ الطاقم الطبى بإعطاء الكثير من العقاقير، التى تتفاعل مع بعضها، وبدلًا من أن تعالج تُضْعِف وتُوهِن، مثل الذى لا يعرف هدفه، حيث يضرب نارًا بكثرة فى غرفة مظلمة، أما مَن يملك البصيرة والرؤية فيحدد بحسه الإكلينيكى أو بشعاع ليزر- فرضًا- الهدف، ويصوب رصاصة واحدة عليه لتحقيق الشفاء.
لقد حدث ما يسمى «تغير بنيان أسباب الموت»، فمثلًا تضاءلت نسب الوفاة من أمراض مثل الإيدز وإيبولا وغيرهما من الأمراض المُعدية، كالأنفلونزا والالتهاب الشعبى والرئوى مثالًا.
إن هناك عوامل خارجية تحكم مسألة الصحة والمرض وعملية الشفاء، مثل التغذية الصحيحة، والسكنى النظيفة، والتهوية الجيدة، والنظافة، ودرجة الاكتظاظ، ودرجة الوعى ودرجة التعليم.
أحيانًا ما نضطر إلى أن ندور فى دوائر مفرغة، ما إن ننتهى من واحدة إلا وتبدأ الثانية.. وهكذا دواليك، مستهلكين الكثير من الجهد والطاقة والمال.. نحتاج إلى «خوارزمية» نكتبها نحن، لا نستوردها، نتعامل بها مع كل الأمراض، حلول حسابية تأخذ كل العوامل والمعايير والظروف البيئية والجينية الخاصة بسكان مصر فى الاعتبار، وتخرج بمعادلة مهمة مرنة ترشدنا إلى طريق أكثر إشراقًا وأملًا”
د.خليل فاضل
المصري اليوم 31 يوليو 2020