سيكوديناميات ضعف الانتصاب الناتج عن إدمان المواقع الإباحية (PIED)

سيكوديناميات ضعف الانتصاب الناتج عن إدمان المواقع الإباحية (PIED)

قال الشاب العشريني مواجهًا طبيبه النفساني ممسكًا بموبايله قائلًا: «لن أتزوج إلا امرأة Curvey، مثل هؤلاء اللاتي هنا، ولابد لها أن تسلك سلوكهن وترتدي ملابسهن.. أنا أدفع لهن على الموبايل، ومن خلال الشاشة ألمسهن وأقيمُ علاقة كاملة معهن، ولكن حينما أواجه بامرأة من لحم ودم فلا أحس بأدنى رغبة.»

من ناحيةٍ أخرى هناك زوج يعجز عن إتيان زوجته ويسهر الليلة يعاشر الشاشة التي تضج بالألوان والنساء وكل أنواع الشهوات المُباحة افتراضيًا فقط، ولما أذَّن الديك في الصباح لم تسكت شهرزاد عن الكلام، وقالت إنه «ضعف الانتصاب الناتج عن إدمان المواقع الإباحية» (PIED).

إنه اضطراب يصيب بعض الرجال الذين يدمنون على مشاهدة الأفلام الإباحية؛ فيجدون صعوبة في الاستثارة أو الحفاظ على الانتصاب أثناء العلاقة الحقيقية مع نسائهم.

وعلى الرغم من أن لهذا الاضطراب بعدًا بيولوجيًا يرتبط بمستقبلات الدوبامين في الدماغ، إلا أن البعد النفسي العميق له لا يقل أهمية، بل يفتح أمامنا أبوابًا لفهمٍ أعمق لجوانب الذكورة، والرغبة، والهُوَية الجنسية، والعلاقة بالذات، والآخر.

تبدأ جذور هذه المشكلة أحيانًا في سن مبكرة، عندما يكتشف الطفل أو المراهق جسده، في بيئةٍ يغيب عنها الحوار الصحي عن الجنس، ويغلب عليها التوتر أو التناقض. وفي بعض الحالات، يكون الأب غائبًا أو قاسيًا، أو تكون الأم متحكِّمة أو باردة عاطفيًا. هذه البيئة تُنتج شعورًا داخليًا بالذنب أو العار المرتبط بالجسد والرغبة الجنسية.

في ظل هذا المناخ، تصبح الإباحية ملاذًا آمنًا.. عالم يمكن التحكم فيه، بدون خجل أو رفض أو فشل؛ ففي الخيال الإباحي، لا توجد مواجهة حقيقية، ولا حاجة للتعبير عن المشاعر أو التعامل.

وهكذا، يبدأ الشاب في ربط المتعة الجنسية بالانعزال، والخيال المبالغ فيه، والاستجابات السريعة وغير الواقعية، ومع الوقت، يبدأ العقل في التعلّق بالخيال الجنسي أكثر من الواقع، وتصبح العلاقة الجنسية مع الزوجة أقل إثارة، لأنها لا تحمل نفس الشحنات البصرية، أو السيناريوهات المثالية التي تقدمها المواقع الإباحية.

والأسوأ من ذلك، أن الجسد نفسه يعتاد على نمط معين من التحفيز السريع، والمتكرر، والموجَّه بصريًا؛ فلا يتمكَّن من الاستجابة بشكل طبيعي للالتحام الإنساني الحقيقي. وهنا يتولد الصراع داخلي: «الهُوَ» يريد الإثارة والمتعة، و«الأنا الأعلى» يشعر بالذنب والخجل، و«الأنا» يقف حائرًا أمام فشل الاستجابة الجسدية، فشلٌ رمزي، فشل في إثبات الذات، في الرجولة، وفي القدرة على التواجد الإنساني الشهواني الحقيقي.

وقد يتحول الاستخدام المفرط للبورنو إلى عادة قهرية، تُستخدم للهروب من مشاعر القلق أو الفراغ أو حتى الحزن.

من المنظور السيكودينامي، ترتبط الذكورة ارتباطًا عميقًا بصورة الأب، وبنمط العلاقة معه؛ فإذا كان الأب ناقص الحضور، أو كثير النقد، أو غامض المشاعر؛ فذلك يُنتج قلقًا داخليًا حول الهُوَّية الذكورية، ويصبح الجسد نفسه محل شك، ويصير الانتصاب تحديًا وجوديًا، وليس فقط وظيفة بيولوجية.

أما في إدمان المواقع الإباحية، لا يوجد هذا التحدّي، الانتصاب «يأتي وحده»، ولا يوجد خطر الرفض أو الفشل، لكن في العلاقة الحقيقية، يظهر هذا القلق الكامن.. هل أنا كافٍ؟ هل سأُرضي الطرف الآخر؟ هل سأكون مقبولًا؟

إن علاج PIED لا يقتصر على التوقف عن مشاهدة البورنو، بل يتطلب فهمًا عميقًا للجذور النفسية، والمخاوف الدفينة، والتصورات المشوّهة عن الجسد والحميمية. وفي العلاج الديناميكي أو التحليلي، يمكن للشخص أن يستعيد علاقته بذاته، ويفهم كيف ولماذا فصل بين المتعة والعلاقة، ويحتاج الأمر إلى العمل على اكتشاف أصل الشعور بالعار أو الذنب الجنسي، وفهم علاقة الفرد بوالديه، وتأثيرها على نظرته لذاته وجسده، وتحرير الخيال من القوالب الإباحية الجامدة، والسماح للحميمية بأن تنمو في سياق إنساني عاطفي غير حيواني.

في النهاية؛ فإن PIED ليس مجرد خلل جسدي، بل رسالة من الجسد والنفس معًا، تقول إن هناك شيئًا مفقودًا ليس في القدرة، بل في العلاقة، وفي الوجود الحقيقي مع الآخر، تلك الزوجة التي تشعر بالهجر، وفقدان الأمان العاطفي والجنسي، وتُحِسّ بأنها غير مرئية، وتتألم من برود زوجها، وتتساءل عن أنوثتها وتتشكك فيها، وتعيش في صمتٍ مؤلم مليء بالشك والخذلان والوحدة.

«كلما استسلمت أكثر للأمور الافتراضية والمُصطنعة، ابتعدت أكثر عن الحقيقة.» — بتصرف عن آلان دي بوتون، الفيلسوف والكاتب البريطاني.

Leave a Reply

Your email address will not be published.