مقال جديد بعنوان البعد الاجتماعي للمرض في صحيفة المصري اليوم
يدور المصريون (أصحاء ومرضى) في فلك خطاب الصحة والمرض، الذي تتنازعه مقاربات مختلفة، وحركات اجتماعية وسياسية متعددة، منها حركات الأطباء، كوادرهم، تحرير نقاباتهم من الإخوان المسلمين، ونزاعهم المستمر مع الحكومة المصرية.
ترى كلودين هيزليتش الباحثة الاجتماعية الفرنسية أن البعد الاجتماعى للمرض، مهم للغاية في كافة المجتمعات الإنسانية، لأن النظام البيولوجى (ما تتكون منه أجسادنا من هرمونات وجينات وكيمياء حيوية)، والنظام الاجتماعى (حياتنا في البيت والعمل، ما نأكل وما نرى وما نسمع، ما نشرب وما نتفاعل معه ليل نهار، بدء من عربة الفول في الشارع، إلى ما نشاهده على شاشة التليفزيون من عنف، أو ما نقرأه على الإنترنت من مبالغات).
إن الإنسان يبنى مرضه اجتماعيًا (بمعنى إضفائه أبعادًا اجتماعية على الظواهر البيولوجية الحيوية الأساسية كالموت والمرض والصحة، فما نراه من أعراض مثل ارتفاع درجة الحرارة، ورعب الإصابة بأى فيروس، أو أعراض الشيخوخة ودنو الأجل (الحالات المتأخرة من التهاب الكبد وتلفه أو ورمه السرطانى وكذلك الفشل الكلوى).. تخفى وراءها أبعادًا اجتماعية لا تظهر لنا مباشرة مثل توفر المال العام والخاص لتقديم وتلقى الرعاية الصحية.
إن مرض المُعيل أو وفاته في سن مبكرة من أبنائهم من مواليد التسعينيات والثمانينيات، في حالات كثيرة توفى فيها الأب المُعيل المهاجر إلى بلاد الخليج إما بفشل الكبد، أو بالسكتة الدماغية أو القلبية، في أكثر الأحوال يكون السبب مجهولاً (طبّ ساكت، مات وهو نايم)، بكل الآثار الاجتماعية التي يُخلفها وراءه مثل العوز، التعليم، صون العرض، ففى معظم الأحوال لا تتزوج الأم الصغيرة في السن، وتظل أرملة محرومة من أبسط حقوقها الجنسية، العاطفية والإنسانية، يزيد ذلك من أعباء تربية الأولاد وتزويجهم، مع كونها محط أنظار الذكور في العائلة إن لم يكن طمعهم.
تلك العوامل الاجتماعية المختلفة تفسر المرض وتؤوله، وتضفى عليه بعدًا رمزيًا غير واقعى، مثل الأب المهيمن الديكتاتور صاحب رأس المال المسيطر الذي أقعده المرض بعد إصابته بالشلل، فهل صورته السينمائية هي لـ(مارلون براندو) في (العرَّاب Godfather)، أم تلك للمشلول المسكين على قارعة الطريق.
يتبدى هنا ذلك المشروع الذي أطلقته هيزليتش للكشف عن ذلك البعد الاجتماعى والرمزى داخل المجتمع وحددت لذلك مجموعة من الأسئلة المهمة ترتبط بـ:
(1) المعايير التي تتحدد بها الصحة والمرض اجتماعيًا؟ (2) التصور السببى للصحة والمرض؟ (3) وطبيعة الظاهرة المرضية داخل المجتمع؟ (4) العلاقة بين الصحة والمرض والقيم الاجتماعية؟ (5) أثر الصحة والمرض في المشاركة الاجتماعية؟ (6) والعلاقة بين الصحة، المرض والموت؟
إن تلك الأسئلة من القرن الماضى، لم تزل راهنة في نظرنا، ما دامت الصحة تجد مكانها في النقاش العمومى والوعى الفردى، وما دامت شرعية الخطاب حول الصحة، تتنازع بين مقاربات مختلفة وحركات اجتماعية وسياسية متعددة.
إن الأبعاد الاجتماعية للمرض لا تنحصر في أسبابه فحسب، ولكن تقع في دائرة المحدِّدات الاجتماعية للصحة والمرض، وتظهر داخل النتائج الاجتماعية للمرض بالنسبة للفرد، الأسرة والمجتمع، تؤكد على أن أنماط الحياة هي السبب الأول لحدوث المرض.
وما دامت الصحة وأمورها هي محور الرأى العام والخاص في مصر – خاصةً الآن- في الإذاعة والصحافة والتليفزيون، سواء كان ذلك حوارًا مع مسؤولين أو زيارة لمستشفيات، أو في تحقيقات استقصائية حول المرض والمرضى في عموم مصر، في أماكنها النائية تحت خط الفقر (القرى الأكثر فقرًا مثالاً)، وفى أحوال أخرى أداء وآراء وزراء الصحة المتعاقبين والمتغيرين حتى مجىء هالة أبوزيد، في حوارات معهم حول سياساتهم الصحية، وذلك على خلفية انهيار البنية التحتية للصحة ومؤسساتها في أماكن مختلفة.
د.خليل فاضل
27 مارس 2020