أحزان الأميرة فيرونيكا

أحزان الأميرة فيرونيكا

كان ياما كان في سابق العصر والأوان، الأميرة فيرونيكا ابنة الملك متعب الحيران، والأم لؤلؤة المكان، لما بلغت الأربعة عشر سنة، أتاها الحيض وظهرت عبقريتها وتبين إصابتها بمرض نادر؛ فقررا إدخالها إلى مدرسة راهبات داخلية للمتفوقين علميًا، كانت تتعب في المدرسة ويشحب وجهها وتتصحَّر عواطفها ويتبلَّد وجدانها، ولكنهما أتوا بها الى القصر وعاينها طبيب القصر بأمهر الدواء، لكنها وصلت إلى الانهيار الكامل، وقررت ألّا تكمل الدراسة، وأنها لا تتمكن من أن تُحِب أو ترى نفسها زوجةً أو عالمة فضاء كما تمنّى الملك، كانت تحلم أحلام يقظة كثيرة، وتدعو ربها ألا تموت، ولكنها أحست بأن مخها يأكل بعضه بعضا؛ فحبست نفسها في غرفةٍ مطلةٍ على البحر، خائفةٌ مرتعبة تستأنس بصوت الموج الغاضب، وبالرعد والبرق.. استسلمت لنوم عميق لا تفيق منه ولا تقوم إلا في محاولات حثيثة لكي تشرب من بعض الأغذية السائلة، وكان الأب مشغولا بالأملاك، والأم تدير أمور البلاد. 

وفي تلك المدرسة المنغلقة خمسة أيام ليل نهار، في مكان واحد مع نظام مختلف عن نظام القصر، إلّا أن رحلات المدرسة إلى أماكن مختلفة، جعلتها ترى أحوال الناس الصحية، وتمنت أن تكون طبيبة باطنية في ذلك الفرع من الطب، الذي يعالج تحديدًا مرضها النادر وبالفعل تمكنت من النجاح، غير أن نفسيتها صارت أسوء من السابق، وانكفأت على نفسها تقرأ هنا وهناك، وتذهب في رحلة صيد، كانت تخشى كل الخشية من السقوط في بئر عميقة، مع إحساسٍ بالوحشة، لتبدأ الصراخ لكي تستأنس بصوتها، وهي الخافتة الصوت المُحبة للضوء الخافت، صاحبة الحوار الداخلي دون شغف، مع خوف من دنو الأجل ورعبٍ شديد بعد أن انقطع عنها الطمث، واحتار معها فريق الأطباء، إلى أن أتتها امرأة تسكن كهفًا عميقًا داخل الجبل، أيقنت ببعض الحلول، وقالت في كتابها للملك أن ابنته تعاني من نوازع اليأس والرغبة في التخلص منه، وأنها في صحراء التيه متضاربة مختنقة، لا ترى نفسها في مرآتها، وحدَّدت اكتئابها منذ الطفولة، وربما كان لمرضها النادر أو لعزوفها عن الحياة بهذا الشكل، أو لاعتراضها على هيمنة أمها وانشغال أبيها، وكانت الأم تُحَمِّلها ما لا طاقة لها به، وتحكي لها عن المشاكل، كان بداخلها غليان لكن التوقعات فاقت المدى، مما خلق لديها إرهاقًا شديدًا امتزج بالمراهقة والبكاء والحساسية لأمور لا تخصُّها، ومالت إلى العزلة، وكأنها عجوزٌ نفسيًا، مكتومة القناة الدمعية، ترهقها المراهقة وتقلبات الطقس، وبفعل العوامل المختلفة، رأت في الرهبنة طريقًا اعترضت عليه الملكة؛ فاختارت التجنب وقالت ربما أنا لا املك أدوات العيش، ولا أمتلك رصيدًا نفسيًا إيجابيًا، يسمح لي بأن أكون فارسةً هُمامة على صحوة مُهرتي في الغابة.

لم تكن اقتصادياتها نفسية كافية؛ فبعدما تحسنت على يدي طبيب القصر وامرأة الكهف، اصطدمت بتناقضات النقص، وشعور عدم القدرة على مواصلة الحياة بهذا النهج، فهربت من نفسها إلى نفسها، واكتشفت انه هناك صراعات في أجنحة القصر بين أهلي الملكة الملك، وأن الملكة تفضِّل أهلها رغم أنهم استولوا على أجزاءٍ من المملكة؛ فعاد الأب ليحاول فرض سلطته والاقتراب من فيرونيكا، ولكن وصوله جاء متأخرًا وداهمها شعور العدمية، وأحسَّت بأن الكلُّ باطل وقبض الريح؛ وأنها تخاف من الموت.

خلاصةُ القول إن كل ذلك تيه وضياع سببه القفز فوق المراحل، لأن فيرونيكا لم تمُر بمراحل طفولتها بتدرُجِها كأطفال الناس العاديين.. جلست ودندنت لنفسها: “إن مقدرتش تضحك.. متدمعش ولا تبكيش، وإن مفضلش معاك غير قلبك، إوعى تخاف مش هتموت.. هتعيش”.