شعور يساور الإنسان بعد موقف أو فعل غير مرضىّ عنه، قد يستحق الأمر الإحساس بالذنب وقد لا يستحق. قد يكون الإحساس بالذنب مفيدًا أو مدمرًا دون أي داعٍ، وهو كذلك الابن الشرعى للاكتئاب، أشهر المواقف هي تلك التي يساعد فيها أحد مريضًا- لكنه ورغم المساعدة والمجهود الضخم- (الأطباء والممرضات كمثال)، أو الأقارب (الابن أو الابنة إذا كانوا على سفر وتوفى أحد الوالدين)، والجندى الذي لم يتمكن من الدفاع عن زميله الذي استشهد، كلها أمثلة تسمى الإحساس بالذنب لدى الذين نجوا بعد أن مات أحباؤهم هم ويسمى ذلك Survivor’s Guilt.
الإحساس بالذنب يُساء فهمه ويربطه الناس بالخزى، مع أن كلاً منهما شعور مختلف عن الآخر. هناك من يسرق من مكان ما لأنه يعتقد أن أجره بسيط بالنسبة لعمله، وبالتالى فإنه إما يحس بالذنب لأنه (سرق)، أو لا يحس بالذنب لأنه برر ذلك الفعل بأنه (حقه).
في رواية (المُرتشى) لبن جلون يحس المرتشى لأول مرة بالذنب، لأنه أخذ رشوة لتيسير زفاف ابنته، هو يعرف أن هذا ليس مبررًا، فيحس الذنب الذي يقصم ظهره، (المقصوم) اسم آخر للرواية، في حين أن زميله المرتشى دائمًا لا يحس بشىء، لأنه غليظ القفا، تعوّد على ذلك، فمات لديه الإحساس.
هناك الإحساس المضخم بالذنب دونما سبب ودون فعل أي شىء، ربما لحساسية مفرطة، وربما للإصابة بالاكتئاب، أو مرض الوسواس القهرى.. هذا الشعور قد يصبح مزمنًا ويلتصق بفكر المرء وسلوكه اليومى، وحياته التي يحولها إلى جحيم.
هنا يتدخل الطب النفسى والعلاج المعرفى لعلاج هذا الأمر وتصحيحه، إذا أخذنا مثالاً لسائق سيارة عند مطلع الفجر، يواجه إشارة المرور حمراء أمامه، ولأن لا أحد يراه أو حوله فإنه يخترق الإشارة مسرعًا، فماذا لو أتت سيارة من الطريق الآخر وتحول الأمر إلى حادث بشع؟!، سيقول: لا ناس، ولا كاميرات، نفدت بجلدى، وبالتالى لا إحساس بالذنب، ربما لن يتمكن من الإحساس بأى شىء، لأنه سيكون إما في العناية المركزة أو في القبر.
المثل المشهور لطفل في الثالثة من عمره يُسقط كوب اللبن من على المائدة ليتهشم الكوب تمامًا، ستنفعل الأم، ربما ستصرخ، وربما ضربته على يده، أو لطمته وهذا أسوأ الاحتمالات، بعدئذٍ ستحس الأم بالذنب، بعد بكاء ابنها ستأخذه في حُضنها وستمسح دموعه، هي لا تدرى أنها هنا قد خلقت داخله مفهومًا متناقضًا مشوشًا، ألا وهو ما يسمى (القيد المزدوج)، أي أنها جعلته يحس بالذنب، ثم حضنته فتلقى المسكين في نفس الوقت مشاعر متناقضة، وعندما يكبر ربما اضطرب تفكيره، وربما ظلت تلك الحادثة الصغيرة ندبة في عقله الباطن لا تُنسى، تُربكه وتزعجه.
قد يكبلك الإحساس بالذنب ويعطلك عن استمرار حياتك بشكل عادى، يضع بينك وبين أحبائك وأهل بيتك حاجزًا مشحونًا بالتوتر والاكتئاب، إذا أدركنا العوامل المحيطة بهذا الإحساس القاسى لعرفنا كيف نتمكن من التخلص منه.
الإحساس المزمن بالذنب يأتى لمن تربوا في كنف أسر شديدة التزمت والصرامة. في حالات الوفاة لعزيز لديك فجأة، أو عندما لا تكون موجودًا، أو بذلت ما يكفى ولكن قُضى أمر الله، هنا تتوجب معالجة كرب الصدمة بالبوح الحر والاسترخاء الذهنى والجسدى، وأحيانًا بعض المطمئنات. ما يسمى ترميم الأنا وتقويتها ضرورى، خاصة من قبل المختصين وبأسلوب العلاج النفسى العميق، تناقش فيه كل الأحاسيس: الماضى، والمستقبل، والحاضر بكل ملابساته.
راجع حساباتك، لا تقع في سجن الذنب، اكسر قضبانك، تخلص من مشاعرك السلبية قدر الإمكان، المهم.. لا تخف.
مقال للدكتور خليل فاضل في صحيفة المصري اليوم الجمعة 8 مايو 2020