الاستقواء بالضعف فى اختفاء الزوجة وظهورها
الأربعاء 28-07-2010
بقلم د. خليل فاضل
٢٨/ ٧/ ٢٠١٠ ـ المصري اليوم
كما أن هناك الاستقواء بالخارج، فإن هناك الاستقواء بالداخل، بمعنى إن (اللى مالوش كبير يشتريله كبير، واللى ليه ضهر ما يضربش على بطنه)، وعندما تختفى لعبة طفل أو زوجة رجل مهم، لا يبحث عنها، وإنما يصرخ ويبكى ويخبط رجليه فى الأرض ويستقوى بفقدانه وبضعفه الذى يدعيه، لكى ينبه الناس جميعا لينهضوا كلهم عن بكرة أبيهم ويبحثوا معه عما فقده، مثيرا جوا (باراناوياً) اضطهادياً محتقناً، جواً من التشكك، الحيرة، عدم التيقن، عدم الثقة، عدم الأمان، التوتر الاجتماعى، مما يؤدى إلى تراكم الفتن وامتلاء الصدور بالغيظ، فتخيم على الوطن خيمة من مزاج أسود وترقب محفوف بالخطر، مانشيتات حمراء وتوك شو ملتهب، تعميم وتضخيم للأمور، تكبير، وانشغال بأمر حياتى عادى يحدث كل يوم وكأننا فى أمريكا بعد ١١ سبتمبر نبحث عن كل من له وجه عربى واسم مسلم لنلبسه العمة والقضية ونضع على كاهله كل المشاكل بدءاً من الشرق الأوسط إلى العجز الجنسى وأزمة مياه حوض النيل. إن تأثير كرة الثلج بالغ القسوة والخطر فى نتائجه؛ فالخبر العادى كاختفاء زوجة الأب أو الأخ أو الشيخ أو الحاخام، تضاف إليه من شهوة المستمعين تراكماتهم النفسية والاجتماعية، توابل الإثارة والانتشار، وتخطيط البعض واتصالاتهم المكثفة، وتدبيرهم الخبيث المُغرض، لتصبح كرة الثلج التى فى حجم كف اليد ضخمة بحجم الوطن.. لأنها فى طريقها من المنيا إلى القاهرة تمتلئ بالأوراق وبالاحتمالات والرغبات المعلنة والخفية فى بيع الأمر بل استغلاله لأهداف أخرى، فتتدحرج الكرة العملاقة ويصبح أمرها جللاً، فقد تدمر فى مسيرتها أموراً، توغر فى الصدر أموراً أخرى، وتنكأ جراحاً قديمة وتصبح مرضاً عُضالاً يترك ندبة على جبين الناس، وتاريخاً يتذكرونه ولا يضحكون. لكن كل هذه الأمور وسابقاتها وما هو قادم أعتبرها نوعاً من (العدوانية السلبية).. مما يعنى أنها نوع من الإساءة إلى الناس على مختلف مذاهبهم، وإلى أمن الدولة وإلى المُتلقين لهذا السلوك، إساءة مغطاة بالضعف وقلة الحيلة والاستنجاد، إساءة لذكاء البنى آدم المصرى، تحت الجلد، مُقنّعة، إساءة تتكرر ويتقن صاحبها أداءها كلما آتت ثماراً حتى لو لم تكن ناضجة، أو كانت مُرّة كالحنظل. الفعل أعلى صوتاً من الكلام، فإذا خرجت الزوجة من بيت الزوجية (لأى سبب كان)، واختفت بمحض إرادتها، فإنها قادرة (فى ظروفها هى) على هزّ الدنيا فى بقعة منها (أو بقعتين: مصر وأمريكا رايح جاى!!)، رد بالفعل الانفعالى بالتظاهر والاتهام واللوم والتأنيب أعلى صوتاً من شكوى لظلم وقع، ومن ثمّ فللأمر مكسبان أولهما أن إنذاراً قد حدث، ورسالة قد وجهت للزوج ولأهل عشيرته، وهو وأهل عشيرته استغلاّ ذلك فى رسالة مضادة (مُفترضة مُختلقة تعتمد على الافتراء والاتهام، لا على الحقيقة).. وتحدث الرسالتان جلبة وضوضاء، أما المكسب الثانوى فهو أن الطرف الشاكى من حدث عادى يحدث كل يوم مليون مَرّة، قد استعطف الدنيا وشَغلها، عرف مواطن ضعفها وتعلّم كيف يغازلها أو كيف يهددها ويقلق مضاجعها، إن لزم الأمر. هنا (ينسى) المسؤول عن كل ذلك مسؤوليته، بل يتناساها وهو هنا يعاقبك لأنك (من المفروض) أن تكون مسؤولاً عن كل شىء. ويلومك لوماً قاسياً شديد اللهجة لأنك أهملت فى حماية الأزواج من خلافاتهم (ونحن بشر)، ولأنك من المفروض أن تضع مخبراً على باب كل بيت ومعاون مباحث على رأس كل شارع (هم موجودون، لكنهم لا يحلّون مشاكل الدنيا، وهم بشرٌ مثلنا لهم مشاكلهم وهمومهم وانشغالاتهم، وهناك أمور أخرى تصب فى الحدث الأهم).. من يتعود على كظم الغيظ وكتم الغضب، إما أن ينفجر أو أن ينسحب، أو أن يختلق سبباً للانزواء.. هو مستقل، لكنه خائف من استقلاله، يخاف من الآخر خوفاً مرضياً يصل إلى حد اتهامه بأى شىء وفى كل شىء، ويعوق الحل والتواصل والحوار، بل هو يلعب دور (الضحية) بإتقان… ويتمادى فيه، ودائماً الضحية البرىء لكل التوقعات غير البريئة من هؤلاء الذين يكرهونه. كل هذه الحالات بآلياتها ودوافعها تؤدى إلى ما يمكن الاصطلاح عليه (العقم الوجدانى) لدى الطرفين، حالة من عدم التعاطف وعدم التصديق والضيق والإحباط تعكر صفو العلاقة بين الطرفين. إذا ما واجهنا الأمر مع (المُدّعى) وقلنا (يا جماعة، زوجة الأب لم تُخْتَطَف، ولم تغيرّ دينها، لم كانت كل تلك الضجة؟!) ستجد الصمت، والعودة إلى المربع الأول، ربما جاء الاعتذار متأخراً أو مشفوعاً بأسباب ومبررات لا تكفى لتهدئة الناس فى زمن صعب ووطن تعبان جداً.. وإذا لم تُناقش آليات الحدث فستكون عواقبه الآنية والمستقبلية غير مستحبّة على الإطلاق. وإذا ظلّت كل الأسباب قائمة، بذور وجذور لمشكلات أخرى قادمة وصدورٌ تغلى كالمرجل، وتراكمات لكرة ثلج جديدة، لا حلّ ولا رؤية ولا تعاطى مع الأمور بجدية وعلم، ولا بأسلوب نقدى حضارى يشمل أصل الحقيقة، الخطأ والافتراض ورصد سبل الوقاية وموانع حدوث أزمة مشابهة فى بلد لم يعد له طاقة فمشاكله أكبر، وعقده أكثر تشابكاً ويحتاج إلى هدوء وروية وعدم هدر الوقت والطاقة والجهد والمال، يحتاج إلى الاقتصاد الفَذَّ فى التعامل الإنسانى، إلى البحث الدؤوب عن المحرضين وغير العقلاء، كدابى الزفة وحاملى المباخر، يحتاج إلى تدبر العقل وعدم مهاجمة الآخر (أى آخر.. هنا أو هناك) دون سبب، يحتاج إلى الروية والأناة وعدم الاستعجال. أتصور أن الآخر عندما يفعل ذلك يكون محتاجاً بالفعل إلى (وصلة أمان)، إلى (تفاعل حقيقى) غير بوس اللحى وتقبيل الجباه والرؤوس والأكتاف فى زمن يحتاج إلى قدرات أكبر للفهم والتعاون ونبذ الشعارات والتخلى عن المزاح الذى ينقلب إلى حَدّ يؤرق ويقلق ويجعل الدنيا والدين مرجلاً يغلى كالدم فى العروق.