الاغتصاب فى مصر الآن
الأربعاء 16-07-2014
د:خليل فاضل
الأربعاء 16-07-2014
امتدادا للجريمة الأكثر عنفا التى شهدتها مصر فى 2010، جاء فى إطارها الحراك الثورى فى 25 يناير 2011 التى ابتهجنا بها على أنها (ثورة سلمية)، تلتها بعد أيام أحداث عنفٍ بالغة مستمرة حتى الآن.
ذلك كان العنف السياسى، أو العنف المصرى المجتمعى، مُتخذا ستارا سياسيا يلهو به كنوع من «الفيتيش»، الوَلَه المرضى بالأشياء، عِوضا عن الغرام الحقيقى بالحياة والاستمتاع بها، حوادث قتل بالرصاص مباشرة فى الرأس وفى الصدر، تعذيب رسمى علنى وخفى، اختطاف، تعرية فتيات فى الطريق العام، ضرب نار وخرطوش، فقء للعيون، إلى آخر تلك المسلسلات العفِنة، التى لا تُبرر إطلاقا تحت أى تسمية أو اصطلاح أو تبرير لهتك العِرض فى داخل أقسام الشرطة أو معسكرات الأمن أو أى أماكن احتجاز أخرى، هذا بخلاف الاعتداءات الفردية والجماعية على المرأة فى الطريق العام، وأماكن العمل، وداخل مؤسسة الزواج نفسها (عنف بيت الزوجية، اغتصاب الزوجة، إجبارها على أفعال جنسية مخالفة لطبيعتها أو إحساسها، اغتصاب وقتها ومالها إلى آخر تلك القائمة).
نتوقف قليلا عند حادث الاغتصاب الجماعى فى (كفر يوسف، الدقهلية)، نقف أمام الحادث نفسه (نفسية المغتصب)، (الاغتصاب الجماعى)، استخدام التكنولوجيا مُمثلةً فى تلك الآلة الحديثة (عصا الذاكرة الإلكترونية الحديثةـ فلاش ميمورى)، كنوع من امتداد فعل الاغتصاب بتصوير الضحيتين للتشهير بهما، فى متتابعات (بورنو العنف) كما نفضل أن نسميه، فالآلة الحديثة استخدمت هنا بحقارة لتطوير الفعل الجنسى المعتدى الجانح من ذكور باستخدام التوك توك، ثم الموبايل، والاشتراك فى تعذيب الضحية ذات الـ14 سنة بعد مقاومتها الرائعة لهم.
نلاحظ أن فعل الاغتصاب تم داخل الأراضى الزراعية (دائما ما يحدث ذلك فى الريف فى الليل، تناقض واضح مع قدسية الأرض وما تطرحه من خير)، تتراوح أعمار المغتصبين بين 19 سنة و29 سنة، منهم 6 (دبلوم صنايع)، واحد (دبلوم تجارة)، واحد (طالب أزهر)، ولهذه الخريطة دلالة اجتماعية لمجتمع العنف فى الريف، نوعية التعليم الفنى فى مصر (الصنايع تحديدا) وما يقدمه من نماذج مشوهة. علينا أن نسأل أنفسنا مجموعة من الأسئلة فى شقين:
الأول: لماذا تواجه المجتمعات البشرية عنفا بشعا إلى هذا الحد، لماذا المجتمع المصرى أكثر قابلية لهذا العنف وأكثر هشاشة؟ ثانيا: ما سيكولوجية المغتصب، ما الذى يجعل بشرا عاديا يتحول إلى شخص بشع فظيع يرتكب هذه الجرائم المقززة؟ (قال أحد المتهمين فى اغتصاب الدقهلية لوكيل النيابة، مبررا فعلته: أصل احنا كنا واخدين مخدرات يا باشا).
وعلى الرغم من أن جرائم العنف والعنف الجنسى تحديدا موجودة منذ أقدم العصور، فإنه من المهم جدا فحصها فى إطار مجتمعاتنا العربية تلك، فى حالات انتقالها السريع، حروبها، مفاهيم الدين لديها، لابد لنا أن نفهم (السيكوباتى السوسيوباتى- المضطرب نفسيا والمضطرب اجتماعيا)، المُتخفِّى وراء أقنعة المدير، الفلاح، الموظف، المدرس، دكتور الجامعة، مدرب الكاراتيه، مراقب امتحانات الثانوية العامة، من هؤلاء البشعون؟ من هم أفراد تلك المجموعات العدوانية فى (ديناميكيتها) لارتكاب معركة (الكراهية) التى تعُم مجتمعنا الذى تصدرت إحدى صحفه (المصرى اليوم- 21/6/2014، المغتصبون يتحدّون هيبة الدولة)، فى إشارة صريحة إلى أن هناك مجتمعا يواجه نظام دولة، مجتمعا متفسخا منهارا مرتبكا، يتجمل بالإعلام والبرامج والأصوات العالية، نشرات الأخبار فى دولة مترهلة مُفككة المفاصل، عفنة الجذور.
وردت كلمة (الكراهية) هنا فى وصف (الاغتصاب)، ونعنى به اغتصاب الطفل (ذكرا كان أم أنثى)، اغتصاب الرجل للرجل، واغتصاب البنات والنساء.
الاغتصاب ليس (نشاطا جنسيا)، إنه (جريمة كراهية)، فيه ممارسة حقيرة للقوة، السيطرة، الإذلال والتعذيب، لنزع شىء من الضحية (شرفها، عذريتها، سمعتها، حياتها، نفسيتها، كرامتها، مفهوم جسدها)، وفى أحوالٍ كثيرة للانتقام منها أو من أسرتها إما لرفضها له، أو لزواجها بغيره نكايةً فيه، ربما لوعدِها له، وحنثها للعهد (غالبا ذلك ما حدث فى كفر يوسف).
هدف الاغتصاب هو أن إيذاء الآخر يجعل الحقير والتافه متفوقا بشراسته.