| كتب: أحلام علاوي | صحيفة المصري اليوم الوسواس القهري
أفكار ومخاوف غير منطقية، تؤدى إلى تكرار بعض التصرفات المرفوضة للشخص نفسه، ومن حوله، ولكن بشكل قهرى، أو إجبارى، دون خط رجعة لهذه التصرفات، ولهذا سمى بـ«الوسواس القهرى»، ذلك المرض النفسى الذى يبدأ بأعراض عبارة عن أفكار مزعجة تليها تصرفات قهرية، وتتفاوت حدتها من شخص لآخر، بعضها قد لا يتعدى الأذى الشخصى مثل تكرار الاستحمام والوضوء والصلاة، والبعض الآخر قد يتعدى لإهانة الآخرين، وهو مرض لا يرتبط بسن معينة؛ فقد يصاب به الأطفال وقد يصيب المراهقين أو الشباب، ولكن الأكثر شيوعًا للإصابة به هم النساء، وقد يكون المرض أقل حدة ولا يتعدى الخوف من النظافة والمرض، ولعل أشهر من كان يعانى من هذا هو الموسيقار محمد عبدالوهاب، الذى كان يرفض مقابلة المرضى، ومصافحة البعض، خوفًا من التعرض للعدوى، وقيامه بغسل الصابونة التى يستخدمها بأخرى.
يقول الدكتور محمد رزق خضير، مدرس أمراض المخ والأعصاب والطب النفسى بجامعة 6 أكتوبر لـ«صحتك بالدنيا»: مرض الوسواس القهرى يصنف فى مجموعة منفردة تسمى بـ«الأمراض الوسواسية»، وهو عبارة عن خلل فى كيمياء المخ، وحتى الآن لا يعرف له سبب، لكنه غالبًا ما يكون نتيجة توتر أو صدمة نفسية، أو وراثيًا من الأبوين، ويمكن أن يحدث للأطفال عن طريق التقليد للأب أو الأم، أو أن تكون الأم لديها إصرار على أن يغسل الطفل يديه كثيرا، هنا لا بد من علاج الأم أولًا، بعدها سيتوقف الابن تلقائيًّا.
وأضاف خضير: «المريض يعانى من المغالاة فى الأفكار والمخاوف غير منطقية (وسواسية) تؤدى إلى تكرار بعض التصرفات بشكل قهرى، أو إجبارى، ولذلك سمى بالوسواس القهرى، وهذه التصرفات غير مبررة أو منطقية، وتسير ضد عاطفته، لكنه لا يحاول تجاهلها أو تغييرها، لأن هذه المحاولات تزيد من شعوره بالضيق والقلق؛ لذلك تعتبر هذه التصرفات بالنسبة إلى هؤلاء المرضى (إلزامية) للتخفيف من هذا الضيق، وقد يأتى الوسواس فى هيئة النظافة، كأن يغسل المريض يديه بكثرة لعدة دقائق، أو يستحم مرات عديدة فى اليوم، أو فى العبادات، كأن يعيد الصلاة عشرات المرات، أو تأتى فى الخوف سواء من المرض أو أشياء معينة، أو أشخاص، وهكذا، ولكن النوع الأصعب بل الأقوى الذى قد يأتى فى المعتقدات، بأن يسب الذات الإلهية أو الأنبياء، والمريض يعى تمامًا خطأ الفكرة، لكنه لا يستطيع السيطرة عليها، أو التحكم فيها، وبالتالى يستجيب لها، ليستريح من القلق، بل يكرر الاستجابة كلما تكررت الفكرة، دون تفكير ويشعر بالراحة بعدها لكنها لفترة مؤقتة، تنتهى مع مراودة الفكرة له مرة أخرى».
وعن أعراض الوسواس، أوضح مدرس أمراض المخ والأعصاب والطب النفسى، أنها ليست أعراضًا جسدية، أو مرضية، فمريض القلق أو الاكتئاب، عمومًا، تظهر عليه أعراض جسمانية مثل القولون العصبى وزيادة ضربات القلب والصداع والمعدة العصبية، لكن مريض الوسواس يبقى التركيز فيه أكثر على الفكرة نفسها وتضييع الوقت، فأعراضه عبارة عن أفكار مزعجة تليها تصرفات قهرية، وتتفاوت من شخص لآخر، ولكن أكثرها انتشارا، تتمثل فى تكرار الوضوء والصلاة، والاستحمام أكثر من مرة، أو غسل اليدين بشكل متكرر، والامتناع عن مصافحة الآخرين أو ملامسة مقابض الأبواب، وتكرار التحقق من الأمور بشكل مفرط، مثل الأقفال أو مواقد الغاز، والخوف بشدة من أشياء معينة أو أشخاص أو عدوى الأمراض والخوف من الاتساخ أو التلوث، أو الخوف من الأخطاء أو الإحراج أو الفشل، والتشخيص يكون عن طريق الفحص والتاريخ المرضى للحالة، والتحسن يكون بنسبة كبيرة جدًّا فى حالة واحدة فقط إذا تم اكتشافه وعلاجه مبكرا.
وأشار الدكتور محمد رزق خضير إلى أن الوسواس القهرى ليس له سن معينة، فقد يأتى للأطفال بداية من عمر 10 سنوات، أو قبل ذلك، وهو أكثر شيوعًا عند النساء أكثر من الرجال، ربما نتيجة الإجهاد، وغالبًا ما تظهر الأعراض عند المراهقين أو الشباب، حتى عمر 40 عامًا، لافتًا إلى أنه مرض مزعج للغاية، لأن المريض يعى تمامًا أن الفكرة خاطئة وضد عواطفه، ورغم ذلك تأخذ منه وقتًا طويلًا فى التعامل معها والاستجابة لها، ويبدأ يدور فى «حلقة مفرغة»، فالفكرة تأتى للمريض، ويبدأ يسمعها ثم يتعامل معها، ثم يحدث نوع من الراحة المؤقتة، ثم تبدأ الدائرة تدور من جديد، حتى يصل إلى مرحلة «الفعل القهرى»، هنا يبدأ الشعور بالمرض، وعليه التوجه فورًا للطبيب.
ولفت «خضير» إلى أن مرحلة العلاج تنقسم بين علاج دوائى وآخر سلوكى، فالأول يعمل على تحسين خلل كيمياء المخ، الذى يتحسن بالفعل بنسبة عالية جدا، تتراوح بين 50 و60% بدون علاج سلوكى، ثم يبدأ بعدها العلاج السلوكى، الذى يجب فيه التركيز على مواجهة الفكرة وعدم الاستجابة لها، وليس تجنبها أو تجاهلها، مشيرا إلى أن الاستجابة للعلاج، تنقسم إلى «أثلاث»، ثلث المرضى يتحسنون بعد تناولهم الدواء مرة واحدة فقط، والثلث يأخذون الدواء كلما عاودهم التعب، والثلث الأخير يأخذون الدواء طوال حياتهم.
وعن آثار الوسواس القهرى على حياة المريض، ذكر «خضير» أن المريض لا يعزل عن الناس، بل يمارس حياته بشكل طبيعى ويتزوج وينجب، بل من الممكن أن يستمر طوال حياته دون أن يكتشف طبيعة مرضه، طالما تأقلم عليه، إلا أنه حال حدوث فشل وظيفى واجتماعى بسبب هذا الوسواس، هنا يبدأ العلاج.