العلاقة بين المريض والطبيب
السبت 25-10-2008
بقلم د.خليل فاضل
٢٥/ ١٠/ ٢٠٠٨ – المصري اليوم
منذ حوالي عشر سنوات أو أكثر، قرأت كتابا شيقا تحت عنوان الطاقة النفسية، ألفه جراح تجميل بارع اسمه «ماكسويل مالتز» تحدث فيه عن نفسية مرضاه، وضرورة تجميلها قبل الشروع في عملية تجميل البدن، ومنذ أيام قليلة قرأت مقالا رائعا لجراح شهير من جراحي اليد وهو تخصص مهم في كل أنحاء العالم تقريبا، المقال تحت عنوان: «مواصلة السعادة»، منشور في الجورنال الأمريكي لجراحة اليد، عدد يوليو ٩٢، وهنا قد يتساءل القارئ: ولماذا يا صاحبي وأنت الطبيب النفسي تفتش في مواضيع الجراحة المتخصصة؟!
وللموضوع خلفية وقصة، فأثناء بحثي في أجهزة الليزر الحديثة بأسطواناتها المليئة بالمعلومات بمكتبة «حمد» الطبية بمستشفي الولادة، أثناء بحثي عن موضوع العلاقة بين الطبيب والمريض، شد انتباهي أن المقال مصنف في قائمة المقالات والبحوث الخاصة بالأمر..
بداية هذا الجورنال هو المجلة العلمية الرسمية للجمعية الأمريكية لجراحة اليد، وكاتب المقال هو د. بول براند، وكان قد قرأه في حفل للجمعية في اجتماعها السنوي رقم ٤٦، وبدأ براند حديثه عن رؤيته لإبهام اليد ذلك العضو المهم جداً منها وكيف أنه يراه مثل صاري السفينة أو المركب.
ثم ينتقل جراحنا بالحديث إلي التعرف علي فرص السعادة الحقة في حياته مع جراحة اليد، التي استمدها من أمرين أساسيين: أولهما الاستمتاع بعجائب اليد الإنسانية الرائعة، كما خلقها الله سبحانه وتعالي وثانيهما هو قدرته علي الدخول إلي قلوب وعقول مرضاه وأن يشاركهم ويشاركوه التحدي العظيم، من أجل استعادة الشكل الطبيعي لليد الإنسانية.
ويستطرد براند قائلا إن سعادته كسعادة الطفل العزيز، حينما يدهش في كل مرة يفحص فيها يد مريض، يتوقف ويشد انتباه المريض بعيداً عن المشكلة إلي شيء آخر إيجابي وجيد، فإذا كانت المشكلة في المفصل، تحدث عن قوة العضلات، وإذا تحدد الأمر بعملية جراحية فسيكون التأكيد علي مناعة الجسم وشحذ قواه الداخلية من أجل تحقيق الشفاء، وأهم من كل شيء عزيمة المريض وشجاعته لتحريك يده وللتأهيل والشفاء.
وينتهي براند بالقول الحزين، مقارنا رحلته مع قبطان قديم قال له لا تنخدع في أي تقدم تحرزه إذا حصرت نفسك في مقارنتها بمنافسيك، ومن ثم يحس د. براند بأن الزمن الحالي ضد السعادة والإشباع الوظيفي، لأن العصر الحالي يفرق ما بين الأطباء والمرضي، فالأطباء قد صاروا أكثر علما ومعرفة، والطب قد تقدم تقدما مذهلاً، لكن في المقابل اتسعت الهوة بين المريض والطبيب وبالتحديد بين الجراح ومريضه – حسب قول براند – ويشبّه العصر الحالي وظروفه بالمد في البحر، لأنه أكثر واقعية.
يستخلص براند القول بالدعوة إلي التمهل والتأمل إلي استخلاص الفخر من دور المجهولين، وأن يكون جراحو اليد دعاة شفاء، ليس للأيدي فحسب ولكن للبشر، ولنفتح أبوابنا وقلوبنا لكل الآراء ولنطرد من حياتنا الطبية والتمريضية كل الدعاة والمنافقين والأفاقين أصحاب النظرة الضيقة المحدودة.
وهكذا، انتهي حديث جراح اليد الذي بعده انتقل إلي التقاعد سعيداً مرتاحاً، مضيفاً إلينا الكثير من الأفكار كغذاء لعقولنا قبل أن يصيبها الصدأ.