الناس في بلادي يثرثرون في الفراغ

الناس في بلادي يثرثرون في الفراغ

يسيرون في اتجاهات معاكسة وأحيانًا في طابور، ويبدون مهتمون جدًا، أو لا يلوون على شيئ، وكأنهم يحدّقون في الفراغ، أو يُممِّون شطر اللا نهاية، يتمتمون لأنفسهم وأحيانًا يضحكون، لا يحسِّون بما حولهم وقد يصطدمون ببعضهم بعضا، وقد تطرحهم السيارات أرضًا للأسف.. لا تلتقي عيونهم، ولا يسمعون ما يدور حولهم، وكأنهم سُكارى أو منوَمون أو جُنَّ جنونهم، كالسائرين في تلك المصحّات العقلية، التي عاش فيها الحمقى والمرضى والسياسيون.

إذا راقبتهم تحسبُهم يحادثون أنفسهم، ولكنك إذا دنوت منهم ودقّقت في ملامحهم؛ فستلمح في الأذنين زرارين مصمتين وقد يكون واحدٌ في أذنٍ واحدة، وتظنهما قرطًين أو سدّادات أذن درءًا لضوضاء المدينة، لكنها سمّاعات دقيقة تنقل الأخبار والأحلام والكلام، واحد يصرخ ويسمع ويشتم ويعلو صوته، والآخر مجهول والحاضر مبهم، والكل يسير في حديثٍ لا دلالة له، ربما عقد صفقات، أو ابتسامةٍ لغزل من حبيب، أو نكتة قبيحة، أو زوجة تملى قائمة احتياجات البيت لزوجها، أو ذلك الصوت الآلي لجوجل ماب، يدلك على الطريق بلغةٍ عربيةٍ مميكنة تضحكك أحيانًا وهى تحاول أن تتبع أسس الإعراب، وقد يسود الصمت وقد يسير البعض مركزًا على ما سيفعله فقط دونما حديث سقيم، وأخرى تحث الخطى لشراء مفروشات الجهاز، ومواعدة العريس عند الجواهرجي للإدخار أوالشبكة أو خاتم الزواج ذلك القيد الذهبي.

إنها أوركسترا أبواق السيارات وضحكات الأطفال، والسايس المُخَطِّط لركن عشر سيارات دفعةً واحدة، وصيحات أمين الشرطة، والرجاء والإصرار ولانفعالات المختلطة.

تتجمَّع أصوات هؤلاء السائرين المتحدثين المغيَّبين، وكأنها بالونة ضخمة في سماء المدينة، تنتظر الانفجار اللعين، لكنها تجثم على رئات الناس وتمنعهم من التنفس لهُنَيهَة.

رجالٌ ونساء ومراهقين وأطفال وألعاب، أفواهٌ تنفتح وتنغلق، وقهقهات بلا صوت، وإيماءات شتى هنا وهناك، يدُ تمتَد لتلمس أو تصفع مُحَدّثها عبر الاثير” ياخاين ياابن الكلب” طأطأة رأسٍ وزمجرة، ويدٌ تعدّلَ وضع الجهاز اللعين في الأذن، وأخرى تتأكد من أن الموبايل شغال، وساكنٌ في الجيب يؤدي عمله في إتقان.

ينظر عم أمين إلى هذا العالم من على كرسيه الخشبي القديم المتهالك عبر الزمن، راحت السلامات والتحيات، والتودد والترحيب والتهليل، كانت الوجوه صريحةً بلا آذانٍ مزيفة، وفراغٌ يحاور أو أثير مخاتل يقتل الكلمة بسكين ثلِمة، “كَثُرَ الناس وأصبحوا أكثر تفاهةً وانشغالًا بالفراغ”، وجوهٌ يعلوها الهم، وأخرى مرتبكة، زاغت العيون وتبعثرت لغة الكلام، واتشّحت المدينة بلون رمادي مباغت، يحمل يافطة اللا معنى يعلِّقها على صدره، تشقّقَت الجُمل، وفجأة يأتي صوت الرعد وكأن الرخ قد حطَّ فوق المدينة، ونزع عن سكانها سماعات آذانهم ثم طار، فوجدوا أنفسهم متفرِّقين لا يعرف بعضهم بعضا، ضاعت منهم البوصلة، وضاع الزمن، وهبّت ريحٌ قوية لترفعهم من على الأرض، لتسكنهم بيوتهم بلا صوت ولا تلفزيون ولا تليفون أرضي ولا تواصل.. الصمت الرهيب، وهل يعنى الصمت سوى الصمت، وهل يعنى الجحيم سوى الجحيم؟

من آداب استخدام سماعات الأذن في الأماكن العامة، أن تتأكد من أن مستوى الصوت ليس مرتفعًا لدرجة يمكن للآخرين سماع تسرب الصوت، لأن ذلك سيكون مزعجًا ومشوشًا لمن هم حولك، حافظ على مستوى الصوت منخفضًا بما يكفي، حتى تظلّ منتبهًا لحركة المرور أو الإعلانات وأي إشارات محيطة، خاصةً في الأماكن المزدحمة مثل محطات القطارات أو أثناء عبور الطرق، في المكتبات أو غرف الانتظار أو أثناء استخدام وسائل النقل العامة، اختر مستوى صوت معتدلًا احترامًا لراحة الآخرين، عندما يتحدث إليك شخص ما، قم بإزالة السماعات لتنتبه وتحترم المحادثة؛ تجنب ارتداء السماعات أثناء التجمعات والاجتماعات  إلا إذا كان ذلك ضروريًا، لأن ذلك قد سيُعتبر تصرفًا غير لائق، وقاوم الرغبة في الغناء أو الدندنة مع ما تسمعه.

من ناحيةٍ أخرى؛ فإن سماعات الأذن تساعد في حجب المُشتِّتات وخلق بيئةٍ أكثر تركيزًا، مما يؤدي إلى زيادة الإنتاجية في العمل والدراسة، كما يمكن أن يساعد الاستماع إلى الموسيقى الهادئة أو أصوات الطبيعة، في تقليل التوتر والقلق، وتعزيز الشعور بالاسترخاء والراحة.

انزعوا سماعات آذانكم، ركزوا في الطريق فهي وعرة وانظروا حولكم جيدًا واتركوا أثرًا طيبًا لكم، حاولوا أن تجربوا الاطمئنان والسلام الداخلي والسكينة، وإحساس رأسك على الوسادة دون مثيرات للحواس الخمس فقط تنهيدة ونومٌ عميق.

Leave a Reply

Your email address will not be published.