قول شكر، ودعاء جميل من أحد لأحد فيه الكثير من المعانى، حيث هي دعوة لأن يسلم الإنسان من الخطر والمرض والإصابة، وأن يعيش حتى نهاية عمره صحيحًا، يتمتع بالصحة قدر الإمكان.. في صالات الجيم إذا نجح أحدهم في رفع أثقال محددة، يصرخ الكابتن بأعلى صوته مُشجعًا (عاش).. وبصرف النظر عن سن المريض؛ فإن ثمة علامات نفسية واجتماعية تخبر من حوله أنه زاهد في الدنيا ويرغب في تركها، ربما قد حمل على كتفيه أحمالًا لا قدرة له على حملها، أو أنه تعرّض لضغوطٍ قاسية حطّت على أجهزة جسده وعلى رغبته في الحياة، فيبدأ في الانسحاب الاجتماعى، ويبتعد عن التفاعلات مع أصحابه وأفراد عائلته.
السؤال هنا: من هو المصاب بكوفيد- 19 الذي يحارب ويدافع ضد المرض، ويساعد أطباءه وهيئة التمريض لكى يشفى، ومن هو الذي يستسلم للفيروس، من هو المُحب للحياة ليتشبث بها ويمسك بتلابيبها، ويفعل ما يمكنه لمساعدة من يساعدونه؟!.
من يستسلمون للمرض، أي مرض، قد يمرون بفترة أقرب إلى اليقظة الكاملة، تتضح فيها الأمور، فيبدأ في التفاعل مع من حوله؛ فنظن أنه يتداعى للشفاء، تأخذ هذه الفترة من ساعتين إلى يومين، علينا أن ندرك أن رغبة العزيز علينا في الصمت لا تعنى ضيقه منا، لنستخدم وقت إعطائه الدواء والطعام للاهتمام به، فنمسك بيده ونشعره بأننا هنا.
الأمر الآخر أن البعض على سرير المرض خلال فترة اليقظة قد يرى حياته تمر أمامه كشريط سينمائى، فتحب الست الوالدة- أكرمها الله- أن تتذكر طفولتها، وزواجها وكيفية تربيتها لأولادها، أو أن تحزن لأنها كانت شديدة في تهذيب الأولاد.. يجب علينا هنا أن نتيح لأحبائنا فرصة البوح الحر، ولا داعى لأن نضغط عليهم في أي شأن دينى أو مالى أو إنسانى، لأن مثل ذلك الفعل في تلك الفترة غير محبب وغير مطلوب؛ فلندعهم يفضوا بذواتهم وماضيهم وأفراحهم ومتاعبهم في حرية، ولا نسفّه من أي قول.. ولتكن اللحظات الأخيرة كنزًا من أحبائنا نحتفظ به ونستثمره فيما بيننا؛ فنحن لا نرث المال أو العقار فحسب، لكن نرث تراث الماضى، وحُسن القول، والذكرى الطيبة.
قد يصبح الإنسان وهو يودّع الدنيا في حالة من التشوش الذهنى وعدم وضوح الرؤية؛ فيعتقد- مثلًا- أن أبناءه مجرد أشخاص عاديين لا يعرفهم، وربما أصيب بفقدان الذاكرة، أو أن تبدأ عملية (الخرَف)، أو الشعور بأن مؤامرة ربما تحاك هنا وهناك، ربما تحدث عن أنه في غير مكان، علينا هنا أن نتفهم ما أصاب إدراكه، ويجب ألا ندخل في نقاش عديم الفائدة، فلنتحدث معه، أو معها، بصوتٍ هادئ، ولتكن غرفته أقل زحمة وضوضاءً.
هناك من أحبائكم من يدخل في دورة إجهاد وإرهاق وإنهاك ونوم متواصل، وإذا قاموا من نومهم فلا يكونون في كامل يقظتهم، ويفقدون شهيتهم إلى الطعام، ثم يدخلون في مرحلة ما بين النوم واليقظة، عليك أن تحرص على راحتهم حتى لو كانت مزعجة لك، لا تزعج أحباءك ولا تدعوهم إلى الحوار، تفهّم تلك المرحلة الحرجة جيدًا. والأهم، لا داعى لأن يكون في البيت كثير من الزوار، وألا يكون في الغرفة أكثر من اثنين، اشرح لأفراد العائلة أن ذلك النوم الكثير ليس إلا مرحلة الاستعداد للرحيل، فلتتصور- دائمًا- أن أحباءك يسمعونك، لأن حاسة السمع هي آخر حاسة يفقدها الإنسان قبل مماته. لا تناقشوا أمور الإرث أو غيره من الأمور الحساسة.. الهدوء ضرورة للجميع، فلنقل بكل الحب: «تسلم وتعيش».. أيها الإنسان.
د.خليل فاضل في صحيفة المصري اليوم الجمعة 1 مايو 2020