قالت زوجة في معرض حديثها أمام زوجها، إنه أحد أبنائي.. عندي ثلاثة وهو الرابع، فَشَخ الزوج ضَبَّهُ مومئًا برأسه في بلاهةٍ قاسية، ثم همهم وأشار إلى زوجته قائلًا: “أصلها شبه أُمي، لكنها مش شاطرة زيها في الطبيخ”، تصرخ الزوجة مستنكرة قائلة: “زي القطط بتاكل وتنكر، لسه امبارح لاهف مكرونة بالشامل ومحَلَّي برز بلبن”، ربت الزوج على كرشه والتزم الصمت.
وزوجةٌ أخرى صرّحت أثناء تداعياتها الحُرَّة: “جوزي بيناديني يا ماما، بينام قبل مني عشان شغله، ومينامش إلّا لمّا أطبطب عليه، وأغنيله.. أطبطب وادلّع”، كان هذا من ضمن أهم الأمور التي أرهقت الزوجة، لأنها لم تجد منه الحنان، بجانب أنه مشغول دائمًا وينحاز لزمرة أهله في معظم الخلافات، مما أوغر صدرها وجعل “الطبطبة من غير نِفس”.
هنا تختَل العلاقة الزوجية وتضطرب، لأن الزوج أمسى طفلًا لزوجته، يتناول الناس الموضوع بخِفّة كما لو كان ظاهرةً شائعة، ومع ذلك، يستمر العديد من الأزواج في الوقوع في هذا الفخ، لأن ديناميكية الأم والطفل مُعَقدّة؛ فمعظم الأمهات يقدمن الرعاية اليومية لأبنائهن، والتحقق من الواجبات المنزلية، بينما يرتبط الآباء باللعب والترفيه، تقول أم: “يحوِّل العديد من الآباء المسؤوليات إلى لعب، بالنسبة لي.. يصبح إيصال ابني إلى المدرسة في الصباح سباقًا ضد عقارب الساعة، ومن ثمَّ يتعلم الأطفال، أن الرجال مرتبطون باللعب، والنساء بالمسؤولية”.
من ناحيةٍ أخرى فإن بعض الرجال يتعلمون قمع مشاعرهم ككتم كالبكاء، على ادِّعاء أن ذلك أمرًا غير رجولي؛ بمعنى أن على الشباب إبقاء مشاعرهم تحت السيطرة، والتعامل معها بطريقة عميقة غامضة مكبوتة، وقد يكون هذا الاستيعاب ناجحًا أحيانًا، خاصةً في التعامل مع الغضب، ولكن عدم البوح في العلاقات مع الشريك أمرٌ ضار للغاية.
ينضج الرجل ويدخل إلى مساحة علاقة ما، وهو كعاشق قبل الزواج، يجذب امرأته بمرحه وسحره الطفولي، ولكن مع تطوّر العلاقة، تبدأ محاولاته للحدِّ من بعض هذا السلوك المرح، وبمجرد أن يتزوج، غالبًا ما يحدث تحولًا شبه كامل؛ فيصبح ناضجًا، وأكثر تحمّلًا للمسؤولية.
يعتبر كثير من الرجال زوجاتهم كأمهاتهم، ويختارونهم لا شعوريًا، بالصورة الكامنة في أعماقهم للأم التي ربّتهم بتشابه سمات شخصيتها، خاصةً الحنان والقدرة على التدبُّر، وحمل المسئولية حينما يسقطون، وغالبًا ما يتحوّل الأمر بعد فترة، إلى أن يعتمد الرجل كليةً على زوجته كراعية، ويصبح ابنًا افتراضيًا لها.. كثير الطلبات، ويحاول الهروب من المسؤولية.
وفي أحيانٍ أخرى قد تكون عدم القدرة على إظهار العاطفة، علامة على أن أم الزوج تُعاني من حالة تسمى «Alexithymia»، والمعروفة أيضًا باسم «العمى العاطفي»، وهذا يقتل التواصل الانفعالي بين الأم وابنها؛ فعندما يتزوج فإنما يبحث عن امرأةٍ فياضة المشاعر، ربما تُعيد تربيته دون ذلك التسطيح الذي دمّر طفولته.
وعلى النقيض رجلٌ ينهي عمله في السابعة مساءً، يذهب إلى البيت ليأكل ثم يهرب إلى المقهى، يجلس مع أصحابه يلعب الطاولة، ثم يعود إلى المنزل منسجمًا مع ذاته في الواحدة صباحًا، تكون امرأته قد نامت من هدِّ الحيل مع الأولاد في المذاكرة وفي البيت، من تنظيفٍ وإعداد لليوم التالي، في تلك اللحظة يود أن ينام معها ليكمل سهرته؛ فيحاول إيقاظها من نومها المتقلِّب، وغالبيتهن يرفضن ذلك الأسلوب الأناني الفجّ، وإذا صارحته في الصباح أنها سترتاح، وأنه سيوصل الأولاد للمدرسة، ثم يأخذهم منها للتدريب، يضيق ذرعًا ويختلق الأعذار، لكي يهرب من هذا اليوم الصعب، وعندما تواجهه مشكلة في العمل أو الحياة، يضع رأسه على صدر امرأته ويبكي؛ فتهدهده حتى ينام.