مدخل مُعاكس فانتازي: في فيلم “كاترين دينوف.. جميلة النهارBelle de Jour” قدَّمت لنا المُمثلة الفرنسية الجميلة، الشخصية المُثيرة للجَدَل، للزوجة الأرستقراطية التي تشعر بالملل من حياة البذخ؛ فتقرر أن تخرج كل صباح للتسكُّع والذهاب إلى “مدام.. قوادة” في بيت دعارة، لتُسلِّي نفسها بإقامة علاقات مجانية، تلتقي فيها بأنواعِ رجالٍ مختلفين تمامًا عن زوجها، ولا يزال الفيلم يحظى بالاحتفاء والتحليل والدراسة، لأنه لا يذهب الى الجنس من أجل الجنس، بل للمعاني الكبيرة التي تحملها تلك الشخصية، وحاجتها الى الحياة الحقيقية، بعيدا عن حياة البذخ الخالية من الإحساس والعاطفة، وإن كان ذلك باستخدام الجسد أشد الأمور خصوصيةً للإنسان وللمرأة تحديدًا.
“كشفت النيابة العامة المصرية تفاصيل جرائم سفاح التجمع الذي قتل عدة فتيات وألقى بجثثهن في الصحراء بعد تعذيبهن، اعترف بأنه اعتاد التعرف عليهن واصطحابهن لمسكنه لممارسة أفعال جنسية غير مألوفة، وتعاطي المواد المخدرة معهن، ومعاشرتهن جنسيًا، ويقوم بإعطائهن عقاقير مُذهبِة للوعي، ثم يقوم بقتلهن وتصوير تلك المقاطع باستخدام هاتفه، عمره 40 عامًا، تخرج من إحدى الجامعات الأميركية وكان يعمل مدرسًا، ترك وظيفته وانتقل للعمل حُرًا، انفصل عن زوجته بعد إنجابه طفلًا، وتعرَّف على ضحاياه من خلال الإنترنت والكافيهات والملاهي الليلية، ومارس أفعالًا سادية معهن.. العربية نت”.
إن نمط القاتل المتسلسل يصوِّر كراهية النساء، خاصةً المُتاجِرات بالجنس؛ غير أن هذه ليست بأي حالٍ من الأحوال صورة نمطية، ونعني أن نفسية هؤلاء القتلة المتسلسلين افتقارهم التامّ إلى “المواجَدَة”، أي “الإحساس بالآخر”، ليشعُر بشعورِه، وأن يَضع قدميه في حذائه، وبالطبع هذا أمرٌ مُستحيل، خاصةً لأولئك الذين نعتبرهم أشرارًا.
أنا لم أفحَص المُتهم، ولكني أجتهد من واقع التحليل النفسي لفهم تركيبة البَغِيّ والسفاح؛ فلربما أن “المُقَدّس والمُدَنَّس” هي العقدة، أي أن علاقة المجرم بأمه “المُقَدّس” قد رفضته وكرهها لأسبابٍ شتى؛ أي اختلط “المُقَدّس.. الأم، بالمُدَنَّس بنت الليل، في العقل الباطن”؛ فتسبب في تناقض وجداني خطير.
ويمكننا تحديد مدى استهداف المشتغلين بالجنس من قبل القتلة المتسلسلين باستخدام إحصائيات أمريكية من عام 2009 إلى عام 2019، كان 43٪ من ضحايا تلك الجرائم في الحالات المؤكدة. يصبح هذا الرقم أكثر إشكالية إذا عرفنا أن 0.3٪ فقط من سكان أمريكا يعملون بالجنس. ويَدَّعي عالم النفس الاجتماعي إريك هيكي، أن «كونك عاهرة يزيد من فرصتك في القتل 200 مرة”.
كل القتلة المتسلسلين الأكثر شهرة، بدءًا من جاك السفاح، استهدفوا المُتاجِرات بالجنس علنًا، وهذا يطرح السؤال.. لماذا؟
القاتل المُتَسَلْسِل «قاتل يرتكب نفس الجريمة بشكل مُتكرر، وعادةً ما يتبع نمط سلوك مُكَرّر ومُحدَّد يمكن التنبؤ به». ويُسَمّى ذلك “بالتنميط الإجرامي النرجسي للقتلة المتسلسلين”، الذين عادةً ما يفخرون بجرائمهم ربما لقتل “المُدَنَّس عِوضًا عن المُقدّس”، مما يعني أنهم يتبعون طريقة مُحدَّدة ليعرف الآخرون أنهم فعلوا ذلك.
ويبقى السؤال هل هي كراهية مُتأصِّلة للنساء وللمُشتغلات بالجنس، نعم إنها الكراهية الساحقة للمرأة بدءً من الأم التي حملته وهنًا، إلى البغايا، وأنا لا أقصد ذلك الذي لا يزال يعتقد أن النساء ليس لهن مكان خارج المطبخ، بل شخصًا آخر يحتقرُ النساء تمامًا.
غالبًا ما تنبع هذه الكراهية من النرجسية، حيث لا يتقبل النرجسيون الرفض أبدًا، وتخبرُنا الدراسات أن السفّاحين قد قوبلوا بالرفض من أمهاتهم خلال طفولتهم؛ وأن العلاقة السائدة التي يقيمها الرجال عادةً مع النساء هي علاقة جنسية، حيث غالبًا ما يُنظر إليهن على أنهن سلعًا جنسية، عندما يكون الجنس هو كل شيء ومهنة بعضهن؛ فإن هذا الطَرْح يُغذّي عملية تشويه المرأة مجتمعيًا وإعلاميًا، من قِبَل رجال مُعادين للنساء، وترامب خير دليلٍ على ذلك خاصةً بعدما أدانه المحلِّفون في قضية جنسية مع بائعة هوى.
لا يعتبر العديد من السفاحين النساء بشرًا بل أشياءً مُهمشّة يُفعَلُ بها كل وأي شيء؛ فيرتكبون أفعالًا جانحة وسادية تدور رحاها كتخييلات وخطط في أذهانهم، وعلاوةً على كراهيتهم لهن؛ فإن هؤلاء النسوة الفقيرات يكُنَّ أهدافًا سهلة، ويكون الجنس من أكثر المواقف ضعفًا والتي يُمَثَّل بهن فيه، مما يتركهن عرضةً للهجوم، وفي المُقابل.. يُنظر إليهن عادةً على أنهم ذئابٌ منفردة، بدون عائلة أو أصدقاء مُقرّبين، مما يعني أن اختفائهم غالبًا ما سيمُرّ دون ملاحظة.