صمتٌ وانكفاء.. أطفال الاكتئاب

صمتٌ وانكفاء.. أطفال الاكتئاب

يُعَدّ اكتئاب الطفولة حالة نفسية معقدة تختلف عن الاكتئاب لدى البالغين من حيث الأعراض، والتعبير عنها، والأسباب الكامنة وراءها، ومن منظور التحليل النفسي الديناميكي، يُنظر إلى اكتئاب الطفولة على أنه ناتجٌ عن صراعات لا واعية غير محلولة، وتجارب ارتباط مبكرة، وديناميكيات داخلية مستمدة من العلاقات الأولى للطفل.

إن اكتئاب الطفولة ليس مجرد حالة مزاجية عابرة بل اضطرابٌ نفسي قد يؤثر على نمو الطفل الوجداني والاجتماعي، وتتجاوز أعراضه الحزن إلى مظاهر أكثر تعقيدًا، منها.. العصبية أو الغضب السريع، خاصة عند الأطفال الذين لا يستطيعون التعبير عن مشاعرهم بالكلمات، فقدان الاهتمام بالأنشطة التي كان الطفل يستمتع بها سابقًا، والانعزال الاجتماعي وتجنب الأصدقاء والعائلة، وصعوبة التركيز أو اتخاذ القرارات، وانخفاض التحصيل الدراسي بسبب فقدان الدافعية وصعوبة التركيز، مع الشعور بعدم القيمة أو الإحساس المُضَخَّم بالذنب، واضطرابات النوم والأرق أو النوم المفرط أو الكوابيس المتكررة والفزع الليلي، وتغيرات في الشهية ما بين الفقدان أو الإفراط في الأكل، وآلام مُبهمة كالصداع، وآلام البطن، وأفكار متكررة عن الموت أو إيذاء النفس، حتى لو لم تكن هناك محاولات فعلية لذلك.

في بعض الأسر الشرقية، يُفسَّر اكتئاب الطفل على أنه «دلع» أو ضعف في الشخصية، وليس كاضطراب يحتاج إلى تدخل علاجي، وقد يتم اللجوء إلى تفسيرات دينية أو اجتماعية، مثل «الحسد» أو «نقص التربية»، بدلًا من الاعتراف بأنه اضطراب نفسي، كما أن بعض العائلات تتجنب الاعتراف بأن طفلها يعاني من اضطراب نفسي خوفًا من الوصمة الاجتماعية، مما يؤدي إلى تجاهل الأعراض وتأخير العلاج، هذا بجانب أن الأطفال في الأسر العربية غالبًا ما يتعرضون لضغوط أكاديمية واجتماعية كبيرة، مما يجعل بعض الأهالي يفسِّرون أعراض الاكتئاب على أنها «كسل» أو «عدم تحمل للمسؤولية»، مما يزيد من عزلة الطفل.

ووفقًا للمنظور التحليلي النفسي، يتشكل اكتئاب الطفولة كنتيجة لمزيج من العوامل التالية.. الإحباطات المبكرة وعلاقات التعلق؛ فالطفل يعتمد على مقدم الرعاية الأساسي، عادة الأم أو الأب، في تلبية احتياجاته الوجدانية والنفسية، وإذا كانت هناك انقطاعات متكررة في التفاعل الوجداني، أو إذا كان مقدم الرعاية غير متاح وجدانيًا كما في حالات الإهمال العاطفي، نتيجة الاكتئاب، أو الانشغال؛ فإن الطفل قد يطور مشاعر الحرمان والحزن العميق، لتُشكِّل أرضية خصبة للاكتئاب.

كما يعتقد العديد من المحللين النفسيين أن اكتئاب الطفولة ينبع من تجربة فقدان مبكرة، سواء كانت فقدانًا حقيقيًا «مثل موت أحد الوالدين، الطلاق، أو غياب أحد الأبوين بسبب العمل أو الهجرة»، أو فقدانًا نفسيًا «مثل وجود والد مكتئب أو مدمن غير قادر على تقديم الحب والدعم الوجداني»، إن فقدان العلاقة الأولية قد يؤدي إلى مشاعر الحزن المزمن، والقلق، واضطرابات الهوية، أما فرويد؛ فيرى أن معاناة الطفل من إحباطاتٍ وجدانية، مع عدم استطاعته التعبير عنها أو توجيه غضبه نحو الشخص المَعني بالضجر كأحد الوالدين، ونتيجةً لذلك، يتم كبت الغضب وإعادة توجيهه نحو الذات، مما يؤدي إلى مشاعر الذنب، وانخفاض تقدير الذات، والتعبير عن الاكتئاب من خلال الانسحاب والعزلة.

أما عن علاج اكتئاب الطفولة؛ فيكون العلاج النفسي Psychotherapy كالعلاج السلوكي المعرفي، الذي يساعد الطفل على التعرف على أفكاره السلبية واستبدالها بأخرى إيجابية، ويعلمه مهارات التعامل مع الضغوط وإدارة المشاعر، ويدمج تقنيات مثل التنفس العميق، والاسترخاء، وتمارين لتحسين المزاج، والعلاج باللِّعب Play Therapy حيث يستخدم اللعب كوسيلة لتعبير الطفل عن مشاعره، خاصةً إن كان صغيرًا أو لا يستطيع التعبير بالكلام، ويشمل الرسم، والصلصال وتشكيله، والألعاب التمثيلية، مما يساعد على تفريغ المشاعر المكبوتة بطريقة غير مباشرة، و العلاج الأُسري الذي يعمل على تحسين التواصل داخل الأسرة، ويساعد الأهل على فهم مشاعر الطفل ودعمه بشكل فعال، وقد يكون مفيدًا في الحالات التي يكون فيها التوتر العائلي سببًا للاكتئاب، والعلاج الجماعي الذي يتيح للطفل التفاعل مع أطفال آخرين يعانون من مشكلات مشابهة، ويعزز من الشعور بأنه ليس وحده، ويساعد على تطوير المهارات الاجتماعية وبناء الدعم الوجداني، وتعزيز ثقة الطفل بنفسه، وتشجيعه على الإنجازات الصغيرة بدلًا من التركيز على الفشل.

أما العلاج الدوائي فلا يُستخدم إلا في الحالات الشديدة وعندما لا يستجيب الطفل للعلاج النفسي، ويُستخدم تحت إشراف طبي صارم.

Leave a Reply

Your email address will not be published.