أيها الأب، لا يحتاج أطفالك معاملتهم كأبطال، بل كأطفال، لأنك لو ربيتهم كأطفال وترعرعوا فى كنفك صحيًا لصاروا أبطالًا فى الحياة: فى العمل، وفى العلاقات، وفى زواجهم.
الأب للبنت يكمن داخل تكوينها وينمو معها، ومجرد أنه هناك يقرأ الجريدة كافٍ لإحساسها بالأمان، لكن الفخ الذى يقع فيه كثير من الآباء أنهم يريدون أولادهم مثلهم فى كل شىء، يورثونهم فى عملهم وحياتهم، بل يتزوجون ويعيشون معهم فى شقة فى بيت العائلة، ولأن أولادك ليسوا أنت، فإنهم أفراد مستقلون.. لهم مستقبلهم واتجاهاتهم وحبهم المختلف للحياة، ولعملٍ يعشقونه، وامرأة يحبونها أيًّا كانت.. ومن الطرائف أن الأب يربى ابنته لتصبح امرأة صغيرة، ولما تكبر وتصبح امرأةً حقيقية، يعاملها كطفلته الجميلة مرةً أخرى، يخاف عليها أكثر، وربما لا يريدها أن تتركه وتتزوج.
إذا كان الأب غائبًا بأى شكل، أى إذا لم يوجد أب فى حياتك منذ الصغر، فإنك قد تعانى مما يسمى ذلك «الجرح الأبوى».. هذا الجرح لابد أن يُضَمَّد وينظَّف بالملح حتى يلتئم تمامًا، إنها عملية «المعافاة Healing »، وليست «الشفاء» بالمعنى المباشر للكلمة.. إنها رحلة الإبراء التى تفتح فيها صدرك للماضى المحروم من الأب الحاضر الغائب، أو الذى ذهب ولم يعد، أو الذى اختفى.. هنا ستعقد سلامًا حقيقيًا مع ماضيك، وستتمكن من تعميق علاقاتك مع أسرتك، وتكون حبًا حقيقيًا دائمًا، مهما كانت الظروف والعقبات، أى أن ما جرحنا فى الماضى سيمنحنا الفرصة لكى ننمو ونتطور.
الجرح الأبوى! اضطراب نفسى عضوى، يجعل من علاقتك بالآخر مرتبكة، نتيجة وجود فراغ داخلك.
ما الذى يريده الطفل من الأب؟.. وجوده، وحبه غير المشروط، ورعايته وقبوله لك كما أنت بكل عيوبك ونواحى إخفاقاتك ونجاحاتك وشقاوتك. نحن معشر البشر نتعوّد أن نُسقط أحلامنا وآمالنا على شريكتنا فى الحياة، كما على أولادنا، نحن لا نرى أطفالنا كما هم، لكننا نراهم كما نودّ: أوائل فى كل شىء، خلوقين ويشيد بهم الناس، أيًا كانوا، فهم أولادنا، علينا أن نحبهم على حالهم، لا أن نغلظ لهم القول، وألّا نضربهم أو نحرمهم، لأنهم لم يرقوا إلى مستوى توقعاتنا، ولا نعيش ننتظر أن نراهم وزراء ومديرين وأصحاب ثروة.
كثير من الأولاد الذين غاب آباؤهم، يجدون ذلك فى الجد، وعمر الجد لن يكون طويلًا ليُتيح للطفل معايشته طويلًا، لهذا فإن فقد الجد قد يسبب صدمة شديدة.
قد يجد هؤلاء الأولاد صعوبة فى اقترانهم بالآخر، لأنهم ربما التصقوا بالأم والحبيبة والزوجة.
يكون الرجل محتاجًا للحب.. بالنسبة للبنت التى تفقد أباها، فإنها تعانى من الألم والاكتئاب والخوف من أن تُترك وحيدة، وأن يهجرها من يهتم بها، فتغضب وهو يصرخ؛ فتنفك العُرى، وبالفعل يحدث الانفصال مرةً بعد مرة، وقد يحدث فى الخطوبة، وفى الزواج، وهذا ما جعلنا نتساءل: لِمَ تتزوج هذه المرأة رجلًا بعد رجل؟ لأن الرجل والمرأة يبحثان عما فُقد منهما فى طفولتهما، عن حب وحنان الأب الغائب.
هذا المقال رسالة ليست موجهة إلى الأب الذى من الممكن أن يعيد توازنه، وأشك فى ذلك، لأن نمط الحياة لكثيرٍ من المسافرين والعائدين بعد 30 سنة، أو هؤلاء الذين يخرجون صباحًا ويعودون وأطفالهم نائمون ليأكلوا عشاءهم ثم يغفون أمام التليفزيون.
لابد لنا أن ندرك المشكلة الحالية بجذورها من الماضى، ثم نبدأ لنرى أن هناك ما يستحق العمل عليه، بدءًا من ماضينا وحتى الآن، ولنزرع حديقتنا الصغيرة بالورود والشجيرات، لنراها وهى تنمو مع النسيم والشمس والماء، كما تنمون أنتم تمامًا.
kmfadel@gmail.com
This website uses cookies so that we can provide you with the best user experience possible. Cookie information is stored in your browser and performs functions such as recognising you when you return to our website and helping our team to understand which sections of the website you find most interesting and useful.