مُعضلة «شجيع السيما» بلطجي إمبابة المراهق

مُعضلة «شجيع السيما» بلطجي إمبابة المراهق

«أنا شجيع السيما.. أبو شنب بريمة أول ما أقول هالى هب، وأصرخ لى صرخة «ها ها ها»، حالًا بالًا سأصارع أسد إنما إيه متوحش، وهخلى وجهه شوارع!» هكذا كانت كلمات صلاح جاهين، وكأنها عن شهاب الذي روّع خلق الله وركب الترند، ونافس عبده موتة، وإبراهيم الأبيض.

في شوارع القاهرة، لم يكن شهاب وليد، سائق التوك توك، يتخيل أن اسمه سيتصدر الأخبار، ليس كبطل، بل كرمزٍ لأزمة أعمق من سكين طعن بها مواطنًا أثناء مشادة مرورية. ومع صدور حكم محكمة الطفل بالأميرية بإيداعه سنتين داخل مؤسسة عقابية، انقسم الرأي العام ما بين من رأى في الحكم إنصافًا وهيبة للدولة، ومن رأى أن العقاب الصارم لا يكفي، إذا ظلّت جذور الانهيار الاجتماعي بلا علاج.

شهاب لم يطعن بريئًا فقط، بل طعن فكرة «الرمز»، و«القيمة»، و«القدوة». والضحية في الوجدان العام شخص متعلم، ذو مكانة، يرمز للمعرفة والرعاية. وأن يُعتدى عليه بهذا الشكل في الطريق العام، مشهد لا يعكس عنف اللحظة فحسب، بل تفكك المعنى في مجتمع مأزوم.

إن المأزق ليس في الجريمة فقط، بل في الأسئلة التي تليها.. من هو شهاب؟ من صنعه؟ كيف نشأ في بيئة جعلته لا يرى في الضحية سوى خصمٍ عابر، لا قيمة له إلا بمقدار ما يعيق طريقه؟

صدر الحكم سنتان داخل مؤسسة عقابية، قانونيًا.. الحكم واضح، ومن حيث الردع، هو رسالة قوية لمن يظن أن صغر السن حصانة ضد العقوبة، لكن السؤال الأهم.. هل شُفي الجرح؟ إن العدالة القانونية شيء، والعدالة الاجتماعية شيء آخر؛ فإذا خرج شهاب من المؤسسة العقابية بعد عامين، دون تعليم، ودون تأهيل، ودون مراجعةٍ نفسية لسلوكه؛ فسنكون قد أضفنا حلقة جديدة في سلسلة الانفجار المجتمعي القادم. لأن وراء شهاب، آلافٌ من أقرانه يقودون توكتوك في شوارع ضائعة، بلا رقابة، بلا ترخيص، وبلا هدف واضح في الحياة.

أطفال ومراهقون يُطاردون الرزق، في الوقت نفسه يطاردون الإحساس بالجدوى، وسط مجتمع يُقسم الناس إلى فئاتٍ غير مرئية.. أصحاب السيارات الفارهة، الأطباء والمهندسون.. مصدر غيرة ورفض، رجال الأمن.. مصدر خوف، والركّاب.. مورد للرزق أو للاحتكاك، شهاب لم يكن حالة فردية، بل ابن نظام اجتماعي واقتصادي هش.

هل ذهب شهاب إلى المدرسة؟ نعم وتسرَّب منها، هل يقرأ؟ هل يعرف أن من طعنه دكتور؟ أم أنه لم يرَ فيه سوى «رجل كبير بيفتي عليّ في الشارع»؟ ما لم نفهمه بعد، هو أن كثيرًا من هذه الحوادث، ليست وليدة انحراف أخلاقي فردي، بل وليدة غياب الدولة من وجدان المواطن الفقير؛ فحين يغيب التعليم، ويُستبدل بالشارع، وحين يكون النموذج هو «الجدعنة» و«الشطارة» و«الفهلوة»؛ فإن السكين تصبح أداة حسمٍ لا نقاش.

نظريًا، تُعرّف المؤسسة العقابية للأطفال الجانحين، بأنها مكان إصلاحٍ وتأهيل، لكنها في الواقع، تشبه الحبس الانعزالي في كثير من الأحوال، دون برامج حقيقية لإعادة بناء الفرد؛ فإذا لم يجد شهاب من يسأله.. لماذا طعنت؟ من تخاف؟ من تُحب؟ من تخجل منه؟ ومن تتمنى أن تكون؟ فإنه سيخرج أكثر قسوة، أقل ثقة، وربما أشد عدوانًا.

إن منصات التواصل ملأى بصور «الولد الجدع»، «اللي ما بيتسابش حقه»، «اللي يرد الضرب بضربتين»، إذن تحولت العدوانية إلى قيمة اجتماعية، والحديث عن التسامح أو ضبط النفس ضعفًا، هل سمع شهاب هذه الرسائل؟ هل ترعرع على فيديوهات وأفلام ومسلسلات السباب والمشاجرات والعنف الذي يُقدَّم كـ«بطولة»؟ نحن أمام منظومة تحرّض على الكراهية، ثم تستنكر نتائجها.

إن المسؤولية لا تقع على شهاب وحده، ولا على أسرته الفقيرة، المسؤول هو.. نظام تعليمي لا يُعلّم فن الحياة، مجتمع يُقسّم الناس طبقيًا بلا رحمة، وإعلام يملأ رؤوس الأطفال ببطولاتٍ زائفة، ثم مؤسسات لا تتدخل إلا بعد وقوع الفأس في الرأس؛ فبدلًا من أن نسجن كل شهاب، لماذا لا ننقذه قبل أن يَطعَن؟ لماذا لا نعيد للمدرسة دورها؟ لماذا لا نعيد بناء احترام القانون بطريقة تربوية لا قمعية؟ لماذا لا تُخصَّص حملات حقيقية لإعادة تعريف «الجدعنة»؟ ولماذا لا يُمنع من يقود توك توك قبل سن الرشد أو دون ترخيص من الأساس؟ من الذي سمح لشهاب أن يولد، ويكبر، ويغلي، ثم ينفجر؟