الكتابة والرفاه النفسي
الأحد 28-08-2016
ريم ضيف..
هل يكتب العظماء ليسردوا قصص نجاحهم ويستعرضوا حياتهم أمام القارئ؟ أم أن لكتاباتهم دور في نجاحهم؟ وإن كان لما يكتبوه أثر على القارئ الذي يجد المتعة في قراءة قصصهم، فما أثر القلم على صاحبه؟
بالخروج عن النمط التقليدي للكتابة الأدبية، يقع الضوء في مجال الصحة النفسية على الكتابة الشخصية أو ما يعرف بreflective journaling لدوره في دعم النمو النفسي والشخصي، حيث يشير بعض الباحثين إلى أن هذا النوع من الكتابة لمدة 20 دقيقة يومياً قد يساعد في تحسين الصحة النفسية والبدنية.
يُخرج هذا النوع من الكتابة، على الرغم من بساطته، طاقة الأفكار والمشاعر الكامنة داخل الإنسان، والتي قد يعصب التعبير عنها بسبب ضوابط اجتماعية أو مخاوف نفسية. فيكتب الإنسان عن نفسه، ويومه، وسعادته، وأحزانه، ومخاوفه، وشغفه، وطموحاته، ومشاكل عمله، وصداقاته، وعائلته، أو أياً ما يشغل باله. ففي كتابك الشخصي لا يهم أي شيء سوى قيمة ما تكتبه بالنسبة لك أولاً وأخيراً.
ويرجح باحثون أن السبب وراء فوائد الكتابة الشخصية هو أنها تساعد في المعالجة المعرفية لما يتم كتابته، حيث يبذل الفرد جهداً ذهنياً أثناء الكشف عن أفكاره ومشاعره أثناء الكتابة، وقد يعود لما كتب فيما بعد، مع إعادة النظر في مشاعره وأفكاره مجدداً. ومن هنا، فإن الكتابة تساعد صاحبها على حل المشاكل عن طريق التعرف على المشاعر وشرحها والتعبير عنها، ومن ثم قبولها. فبدلاً من كتم الأفكار أو تجاهلها، والذي قد لا يثبت فعاليته بالضرورة، تتيح الكتابة لصاحبها التعبير عن تلك الأفكار بحرية أكثر، والنظر في المشاعر التي تثيرها تلك الأفكار، وأخذ الوقت الكافي في التعامل معها بصورة صحيحة ومريحة.
ويمكن أن تكون الكتابة في صورة رسائل إلى أشخاص، لا تصلهم ولا يقرءونها بالضرورة، ولكن قد يحتاج الفرد إلى البوح عنهم وإليهم. وقد تحتوي أيضاً على أهداف يريد الفرد تحقيقها، أو مقولات مأثورة وصور لمسته لسبب أو لآخر. كما تساعد الكتابة الشخصية في محاولة فهم ما يصعب فهمه، أو إعطاء معنى للتجارب المؤلمة والوصول إلى فهم أعمق مع التقليل من الضغط النفسي. فعلى سبيل المثال، قد يستخدم الكاتب –تلقائياً- كلمات مثل “عشان”، “بسبب”، … فيبدأ في أن يعطى معنى لتجاربه، ويبحث في أسبابها ويشرحها لنفسه، حتى وإن بدت معقدة في بادئ الأمر.
ولا تقتصر الكتابة على الذكريات المؤلمة، حيث تشير الأبحاث إلى دور الكتابة عن الامتنان في تحسين الرفاه النفسي. فيمكن لك في نهاية اليوم أن تكتب عن شيء تمتن لوجوده في حياتك (شخص عزيز، لحظة سعادة، وظيفة، أكل، متعة حياتية، روحانيات).. ويكون هذا مخزون جيد لنقاط القوة الخاصة بك تستطيع اللجوء إليه وإعادة قراءته في أي وقت ومتى احتجت إلى ذلك.
والآن، كيف تبدأ في كتابتك الشخصية؟
إن مفاتيح الكتابة الشخصية هي العفوية والاستمرارية والخصوصية.. وأنا تجد المتعة في الكتابة أولاً! فأنت لا تكتب لتبهر الجمهور، ولكن لأجلك وفقط. ومن المستحسن أن تكتب عما يشغل بالك في اللحظة الحالية. أهم شيء هو أن تكون الكتابة حرة، دون قيود أو شروط، وأن تكون ملكك ككاتب في المقام الأول، فلا تشاركها إلا مع من ترغب، إن رغبت. ولذلك، فتكون الكتابة وسيلة للبوح، عن النفس ومع النفس.
ولتحقيق الارتياح أثناء الكتابة والاتسفادة منها، حاول أن تقلل من لوم الذات أو وصمها في كتاباتك .. فأنت وحدك بطل القصة التي تكتبها. ومن باب التلقائية والعفوية، فلا تصحح أو تعيد الصياغة أو تختار الكلمات بدقة..ولكن دع القلم يطلق ما بداخلك.
اكتب.. فلعل القلم يرسم لك طريقاً للرفاه النفسي.