على بابا ومغارة الــ “الدارك ويب”..

على بابا ومغارة الــ “الدارك ويب”..

في الزوايا الغامضة للإنترنت، يعُمّ الظلام ويسود إخفاء الهوية، وتُدَبّر الخطط والمصائب والمؤامرات والأبحاث والسرقات، بعيدًا عن متناول محركات البحث التقليدية.

يأتي السندباد السيبراني ليغوص بعمق، في البنية النفسية لمستخدمي “الدارك ويب”، تلك المساحة الغامضة حيث تتشابك الدوافع والسلوكيات، تحت مظلة نظام رقمي معقَّد وخطير وعنيف.

“الدارك ويب” طبقة مسحورة، كتلك التي بين الطوابق لا يقف عندها المصعد، ويمكن الوصول إليها من خال متصفِّحات متخصصة، حيث يمكن للمستخدمين استخدام حِيلاً لإخفاء الهوية التي تلعب دورًا محوريًا في دوافع وسلوكيات مستخدميه، الذين أعتقد أنهم يعانون من تبعثر الهُوَيّة Identity Diffusion، بمعنى أن إحساسهم بذواتهم، ذلك الذي يستند إلى مزيج فريد من الخصائص الجسدية والعقلية والانفعالية والشخصية والاجتماعية قد تَشَظّى وتطاير، ونتيجةً لذلك لا يعرِف المُستخدِم حقًا من هو، وفى بعض الأحيان قد يُحِس بأنه غير موجود، وليس لديه وضوح فيما يتعلق بالأمور المهمة في حياته، مثل الأهداف والمعتقدات والقيم، ويواجه صعوبة في التمييز حيث تنتهي هوية شخص آخر وتبدأ هويته.

لكن تُرى لمَ يغامر الناس بالدخول إلى “الدارك ويب”؟ يكون الفضول بوابةً مدفوعة بجاذبية المحظور مطلوب “افتح يا سمسم سلاح مخدرات علوم حاسوب وتجارة أعضاء، والسوشيال ميديا تؤجج نيران اختبار المَخفي من الأمور، مما يخلق دافعًا لا يقاوم لاستكشاف المجهول، حيث يلعب المستخدم لعبة الاختفاء من العيون الساهرة للمراقبة، مع تدفق للأدرينالين والدوبامين.

من ناحية أخرى تلعب الدوافع الأيديولوجية دورًا كبيرًا للنشاط السياسي، أو المعارضة ضد الأنظمة أو الانضمام إلى الحركات المُقاومة.. لكن هناك دوافع أكثر قتامة، مثل القرصنة، والأنشطة الإجرامية الإلكترونية المختلفة، ولهذا السبب تقدم شركات معروفة خدماتها للحماية.

بمجرد دخول” الدارك ويب”، يظهر المستخدمون أنماطًا سلوكية محددة، تتكون فيها مجاميع “جروبات”لهما نفس الهوى والهوية والميول، مع مساحة للمستكشفين والفضوليين، الذين قد يقعوا فريسة سهلة في حبائل العصابات الإجرامية بشتّى أنواعها، التي تتألف من منتديات ومجالات نقاش، ومحاور للتفاعل، وهنا يزدهر التعاون وتبادل المعلومات، وتلعب العملات المُشفّرة دورًا كبيرًا، حيث تُستخدَم في المضاربات المختلفة.

إن الثقة سلعة ثمينة على ” الدارك ويب”، حيث يبذل المستخدمون جهودًا كبيرة لبناء سمعتهم والحفاظ عليها، لأن الثقة والسمعة مكونان أساسيان لاقتصاد “الدارك ويب” حيث تتفاعل الديناميكيات والعلاقات بين سكانها بخصوصية.

إن سيكولوجية المشاركة المظلمة على الويب مُتميزة ومُغرية، لأن إخفاء الهوية يُشعِر المستخدم بالتحرر من قيود شخصيته غير المتصلة بالإنترنت، كما تلعب ديناميكيات المجموعة دورًا أكبر، حيث يؤدي تأثير الأقران إلى تشكيل السلوكيات، وتعزيز تكوين المجتمعات الشبيهة بالكيبوتس: }مستوطنة زراعية وعسكرية، وتجمُع سكنى تعاوني تضم جماعة من المزارعين والعمال اليهود الذين يعيشون ويعملون سويًا، وتعدُّ من أهم المؤسسات التي تؤثر على الحياة السياسية والاجتماعية في إسرائيل حتى بداية الثمانينات، وهى مؤسسة فريدة مقصورة على المجتمع الصهيوني، كيان مستقل إداريًا على السلطات المحلية ويوفر خدمات تعلمية وصحية  وحرفية معتمدًا على جهود ذاتية للمقيمين فيه، ويلقى دعمًا من الدولة العبرية، وقد أخترع هذا الأسلوب في الإدارة لكي يعالج إشكالية تواجد الأقلية اليهودية في فلسطين، بحيث يحتكم اليهود فيما بينهم لقواعد وقوانين وتشريعات تخصهم وحدهم، ولا يلجؤون لأجهزة الدولة{.

 “الدارك ويب” مكان لا يذهب إليه معظم الناس، في الواقع.. لا يمكنك العثور عليه من خلال متصفحات الويب العادية، لكن الكل يعترف بوجوده لذا يجب أن يُراقَب، لاكتشاف التهديدات والتحقق من نقاط الضعف بمساعدة الخبراء، وذلك للحفاظ على حياة الناس وقيم المجتمع في مأمن من التهديدات الكامنة.