صراع الآباء والأبناء.. ما بين الصراخ والأحضان

صراع الآباء والأبناء.. ما بين الصراخ والأحضان

يتزوج الزوجان وينجبان وسط فرحةٍ شديدة وخوفٌ كبير، من مسؤوليه تربية ورعاية طفل جديد كتجربةٍ أولى، وعندما يبدأ الطفل في الحركة والكلام، وتتكسّر الأكواب وتتهشم على أرضية الغرف؛ فإن الصراخ يبدأ في الارتفاع، وتتشنج الأم ويعلو صوت الأب النائم، وتتشكّل دائرةً جديدة من العنف الصوتي واللفظي، وأحيانًا الجسدي في العُش الجديد، بعدما حلّ به زائرٌ كان مرحبًا به، لكنه لا يدرك ولا يعي، أحيانًا ما يكون كثير الكلام والحركة، ينظر هنا وهناك، وقد يمزق وثيقةً مُهمَّة، وقد يتسلّق مكانًا خَطِرًا، وقد يختفي في ركنٍ ما، لتبدأ حركه الزوجان في الدوران حول بعضهما البعض، والصراخ والمناداة بأسماءٍ وهمية وشتائم مقززة أحيانًا، إلى أن يهدأ البال ويخرج الطفل صارخًا بصوتٍ يصُمّ الآذان، فتضُمه الأم إلى حضنها وتلتهمه تقبيلًا، بينما يزجُرُه الأب بعقد حاجبيه والضغط على أسنانه كاتمًا غضَبُه الجَمّ.

 إن الأم تحديدًا منذ لحظة الولادة، تقف في مواجهة الطفل، وفي حالاتٍ خاصة تكون لها مُساعدة، غالبًا ما تكون أجنبية مما يجعله لا يجيد اللغة العربية؛ فتتكوّن مصائبَ كُبرى، وتتعثر لغة الكلام والتعبير ومخارج الحروف، وتبدأ زيارات المُختصّين وسلسلة من الخطوات العلاجية.

إن العلاقة بين الآباء والأبناء مركبّة، خاصةً في مراحل نموّهم الأولى،
لذا فإن بيئة البيت الذي يتربّى فيه الطفل، لابد أن تكون آمنة ومليئة بالحب حتى ينمو الطفل بشكل صحي.

قرأت مقالًا في الواشنطن بوست عن كيفية وضرورة أن نوقف صراخنا في أولادنا، وأن نتبِّع أسلوبًا رقيقًا في التعامل مع أطفالنا، ويؤكدون بدليلٍ من العلوم العصبية أن الصراخ وحده وليس الضرب يؤذي أطفالنا، ويؤثر عليهم شكلًا وموضوعًا؛ فيسيرون في طريق النمَاء بقلبٍ مجروح ونفسيةٍ متَعَثرة، ولربما كان هؤلاء الآباء في موقف مُحبِط، وبالتالي فإن مسيرة التربية الصحيحة والنقد البنّاء، قد تؤدي إلى إحساسٍ مضخَّم بالذنب والخِزي، لدى الوالدين العنيفين صوتيًا وبدنيًا ولفظيًا، وتذكُّر أحداث في الطفولة وعندما تصيرُ أبًا تتغيّر المسألة أو تتعقّد، فقد يتدخل أحد الوالدين ليَفُض النزاع ويصبح هو الملاك، والطرف الآخر يكون الشيطان، ويتبادلان الأدوار أحيانًا.

زمان كان الأمر عصيًا لكنه واضح، لكن مع جيل ألفا الذي ولِد في سنة 2010 وما بعدها، وعلى الرغم من التحذيرات التي يطلقها خبراء التربية والصحة النفسية، إلا أن الأمر صار مرتبكًا ومتداخلًا مع أطرافٍ لا نراها على الإنترنت وفي محيطها.

هل اضطررت إلى الصوت العالي؟ لأنك لم تجد صدَى لدى أولادك المنشغلين بأدواتهم الإلكترونية، وهل الموضوع يتعلق بنبرةِ صوتك، أم بحدَّتِه، أم بطريقتك بنيِّتك أم محتواه؟ وهل تعتبر ذلك سلوكًا مؤقتًا في مواقف معينة؟ وهل يستمر الصراخ بعدما تزيد الأمورِ عن حدِّها، وبعد أن تضغط عليك كل الأشياء جملةً وتفصيلًا، بدءً من عملك وحتى الطريق العام، والجيران والمعاملات الحكومية.

إن الصراخ علامة إنذار.. لكن أيها الآباء لن يأخذ أولادكم مشاكلكم وانزعاجكم وقهركم، إلى صدورهم ويخزنونها كي تتعفّن ثم تفرز أمراضًا نفسية؛ فإذا اقترب الطفل من النار من الطبيعي أن تصرخ، لكن مع التكرار سيسببُ ذلك ألمًا وإحساسًا بالمرارة.

إن هناك طرق كثيرة للتعبير غير الصراخ، لأنه ردّ فعل انفعالي للإحباط ولنفاذ الصبر؛ فلنركز على الآباء عوضًا عن الأبناء؛ فهم مضغوطون ويحتاجون إلى من يساعدهم، لكن هل يكون الضحية الأولاد؟ بالطبع لا..

أحيانًا يكون الصراخ رد فعل مناسب أحيانًا، وغير مقصود به الإيذاء، ولكن إذا كان صراخك ليس عنيفًا أو مخيفًا، فإن طفلك قد يستجيب برد فعل مطيع، بدلًا من الانفجار أو التحدِّي، لأن علاقات الآباء بالأبناء كالذي يمشي على حبل وتحته هوة سحيقة، أولادك يحتاجون إلى الدفء والحُب والاحتواء، الذي سيقينا من نوباتِ صراخٍ مفاجئة.

 ولنسأل أنفسنا كيف تربيّنا؟ لكي نربي أولادنا؛ فإذا كان الراعي قد عانى في طفولته من الصراخ المُسّمِّم الذي يترك أثرًا مُزمنًا، ويؤدي إلى تذكّر مشاهد طفولته، حينما كان خائفًا منزويًا، تحت طاولة الطعام أو في ركنٍ الغرفة، سيعاني مع أولاده.. من منّا بدون تاريخ فيه صراخ؟ أنها تجربة العقل والجسد، إنه الغليان وتبادل الأدوار بدون تعميم، لأن كل حالة تختلف عن الأخرى، ليست هناك يوتوبيا؛ فنحن نعيش على أرضٍ تصرخ وتنزف وتكاد تنفجر من التلوث والضجيج.